مَوَاتٌ أَصْلًا وَكَذَا مَا كَانَ خَارِجَ الْبَلْدَةِ مِنْ مَرَافِقِهَا مُحْتَطَبًا لِأَهْلِهَا وَمَرْعًى لَهُمْ لَا يَكُونُ مَوَاتًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِمَامُ إقْطَاعَهَا وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْمُسْلِمُونَ لَا تَكُونُ أَرْضَ مَوَاتٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهَا لِأَحَدٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ الْعُمْرَانِ شَرَطَهُ الطَّحَاوِيُّ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى إنَّ بَحْرًا قَرِيبًا مِنْ الْبَلْدَةِ جَزَرَ مَاؤُهُ، أَوْ أَجَمَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ يَكُونُ أَرْضَ مَوَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا يَكُونُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ الْمَوَاتَ اسْمٌ لِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا حَقًّا خَاصًّا لَهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ فَكَانَ مَوَاتًا بَعِيدًا عَنْ الْبَلْدَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
قَالَ الْقُدُورِيُّ فَمَا كَانَ عَادِيًّا أَيْ قَدَمَ خَرَابُهُ لَا مَالِكَ لَهُ أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ مِنْ أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ لَمْ يُسْمَعْ الصَّوْتُ فِيهِ فَهُوَ مَوَاتٌ وَقَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ عَلَى طَرَفِ عُمْرَانِ الْقَرْيَةِ فَيُنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ إلَى أَيِّ مَوْضِعٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ صَوْتُهُ يَكُونُ مِنْ فِنَاءِ الْعُمْرَانِ لِأَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَعْيِ الْمَوَاشِي أَوْ غَيْرِهِ وَمَا وَرَاءُ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْ الْمَوَاتِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالِكٌ وَالْبُعْدُ عَنْ الْقَرْيَةِ عَلَى مَا قَالَ شَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُعْتَبَرُ انْقِطَاعُ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهُ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْكَافِي.
وَيَمْلِكُ الْإِمَامُ إقْطَاعَ الْمَوَاتِ فَلَوْ أَقَطَعَ الْإِمَامُ إنْسَانًا فَتَرَكَهُ وَلَمْ يُعَمِّرْهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِذَا مَضَى ثَلَاثُ سِنِينَ فَقَدْ عَادَ مَوَاتًا وَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ غَيْرُهُ وَالْمِلْكُ فِي الْمَوَاتِ يَثْبُتُ بِالْإِحْيَاءِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْإِحْيَاءِ وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَا يَمْلِكُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَمْلِكُهَا وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ فِي وِلَايَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي آخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ.
وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ وَإِنْ حَجَّرَ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالتَّحْجِيرُ بِوَضْعِ عَلَامَةٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ بِحَصَادِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّوْكِ وَتَنْقِيَةِ عُشْبِهَا وَجَعْلِهِ حَوْلَهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَتَّى تَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَإِذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا مَلَكَهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَمَنْ تَحَجَّرَ عَلَى أَرْضٍ مَوَاتٍ شِبْهَ الْمَنَارَةِ فَقَدْ أَحْيَاهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَلَوْ حَوَّطَهَا وَسَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَعْصِمُ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَكُونُ إحْيَاءً كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْإِحْيَاءِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا أَوْ يَكْرُبَهَا أَوْ يَسْقِيهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَأَرَاضِي مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُوَارِزْمَ لَيْسَتْ بِمَوَاتٍ لِدُخُولِهَا فِي الْقِسْمَةِ وَتُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ أَوْ بَائِعٍ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ وَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَحِينَئِذٍ التَّصَرُّفُ إلَى الْحَاكِمِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَالْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةُ إذَا انْقَرَضَ أَهْلُهَا فَهِيَ كَاللُّقَطَةِ وَقِيلَ كَالْمَوَاتِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً أَوْ زَرَعَ زَرْعًا أَوْ جَعَلَ لِلْأَرْضِ مُسَنَّاةً وَنَحْوَ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ مَوْضِعُ الْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ عَمَّرَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ إحْيَاءً لَهَا وَلِمَا بَقِيَ وَإِنْ عَمَّرَ نِصْفَهَا لَهُ مَا عَمَّرَ دُونَ مَا بَقِيَ فَقَدْ اُعْتُبِرَ الْكَثْرَةُ