يُقْتَصَّ مِنْ الْمُكْرِهِ اسْتِحْسَانًا وَضَمِنَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ اُقْتُصَّ مِنْ الْمُكْرِهِ فِيمَا فِيهِ قِصَاصٌ وَضَمِنَ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِغَصْبٍ أَوْ إتْلَافِ وَدِيعَةٍ فَأَقَرَّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِإِسْلَامٍ مَاضٍ مِنْهُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ غَيْرِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ لَا قَوْدَ لَهُ قِبَلَ هَذَا الرَّجُلِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِهِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ، فَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْقَوَدِ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ مِنْهُ بِالْعَفْوِ قَدْ بَطَلَ فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ وَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَبْدٍ وَأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَإِقْرَارُهُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَ بَيِّنَتِهِ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ النِّكَاحِ وَالرِّقِّ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْمَالِ مِنْ الْكَفَالَةِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ.
فَلَوْ أُكْرِهَ الشَّفِيعُ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَسَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَعْدَمَا طَلَبَهَا كَانَ تَسْلِيمُهُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ حِينَ عَلِمَ بِهَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِطَلَبِهَا فَأُكْرِهَ عَلَى أَنْ لَا يَنْطِقَ بِالطَّلَبِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا خُلِّيَ عَنْهُ، فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا قَذْفًا وَجَحَدَهُ الرَّجُلُ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَزَكَّوْا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَأَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ أَنْ يُلَاعِنَهَا فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ وَقَالَ لَمْ أَقْذِفْهَا وَقَدْ شَهِدُوا عَلِيَّ بِالزُّورِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُهُ عَلَى اللِّعَانِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يُلَاعِنَ، فَإِنْ حَبَسَهُ حَتَّى لَاعَنَ أَوْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ حَتَّى لَاعَنَ وَقَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا قَالَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَالْتَعَنَتْ الْمَرْأَةَ أَيْضًا وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ اللِّعَانَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا وَيُبْطِلُ الْفُرْقَةَ وَيَرُدُّهَا إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَحْبِسْهُ حَتَّى يُلَاعِنَ وَلَمْ يُهَدِّدْ بِحَبْسٍ وَلَكِنَّهُ قَالَ: قَدْ شَهِدُوا عَلَيْكَ بِالْقَذْفِ وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ بِاللِّعَانِ فَالْتَعِنْ وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى هَذَا فَالْتَعْنَ الرَّجُلُ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ وَالْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا عَبِيدًا فَأَبْطَلَ شَهَادَتَهُمْ، فَإِنَّهُ يُمْضِي اللِّعَانَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ وَيُمْضِي الْفُرْقَةَ وَيَجْعَلُهَا بَائِنَةً مِنْ زَوْجِهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْخِزَانَةِ: وَلَوْ أُكْرِهَ الْقَاتِلُ عَلَى قَبُولِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ وَيَبْطُلُ الْقِصَاصُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَعَفَا فَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ شَيْئًا، وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى إبْرَاءِ مَدْيُونِهِ فَأَبْرَأهُ فَالْإِبْرَاءُ بَاطِلٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ أَكْرَهَ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةَ عَلَى التَّزْوِيجِ بِمَهْرٍ فِيهِ غَبَنٌ فَاحِشٌ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ فَلِلْوَلِيِّ طَلَبُ الْفِرَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْكَافِي.
إذَا أَكْرَهَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِضَرْبٍ مُتْلِفٍ لِتُصَالِحَ عَنْ الصَّدَاقِ أَوْ تُبْرِئَهُ كَانَ إكْرَاهًا لَا يَصِحُّ صُلْحُهَا وَلَا إبْرَاؤُهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ أَكْرَهَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَهَدَّدَهَا بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالتَّزَوُّجِ عَلَيْهَا أَوْ بِالتَّسَرِّي لَا يَكُونُ إكْرَاهًا.
وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ صَغِيرٍ أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُرْضِعَ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ صَغِيرًا فَفَعَلَ تَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَحَلَفَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ كَانَ حَانِثًا. وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شَرْطِ الْحِنْثِ بِأَنْ كَانَ حَلَفَ أَوَّلًا أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ أَوْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ أُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ فَفَعَلَ كَانَ حَانِثًا.
وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَأُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ بِهَا ثَبَتَ أَحْكَامُ الدُّخُولِ مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ بِنْتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالٌ لِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: إنْ لَمْ تُعْطِنِي الْمَالَ حَبَسْتُكَ شَهْرًا أَوْ ضَرَبْتُكَ سَوْطًا أَوْ أَطُوفُ بِكَ فِي الْبِلَادِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ: أَقْطَعُ يَدَكَ أَوْ أَضْرِبُكَ خَمْسِينَ سَوْطًا فَدَفَعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا