الْمُودَعُ عَلَى هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَأَعْطَى مِائَةَ دِينَارٍ إلَى الْمَالِكِ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِ آخَرَ فَأَرَادَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنْ يُخَاصِمَهُ وَيَأْخُذَهُ، يُنْظَرُ: إنْ دَفَعَ الْمِائَةَ بِقَوْلِ أَيِّهِمَا كَانَ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ قَالَ: كَانَتْ قِيمَةُ الْوَدِيعَةِ مِائَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ لَكِنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إذَا اسْتَرَدَّهَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ وَيَأْخُذَ الْمِائَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ رَاضِيًا بِأَنْ يَمْتَلِكَهَا بِهَذَا الْقَدْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ، قَالَ: كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ فَالْخُصُومَةُ إلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
لَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ حَالِ غَيْبَةِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَإِنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي سَأَلَهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِ الْعَيْنِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَعَلَى كَوْنِ الْمَالِكِ غَائِبًا، فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ: إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجَرَ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهَا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجَرَ فَالْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً رَجَاءَ أَنْ يُحْضِرَ الْمَالِكَ وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ وَإِمْسَاكِ الثَّمَنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَفْعَلُ الْوَدِيعَةِ مَا هُوَ أَصْلَحُ وَأَنْظَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ كَانَ جَائِزًا وَمَا أَنْفَقَ الْمُودَعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ غَيْرَ أَنَّ فِي الدَّابَّةِ يَرْجِعُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لَا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الْعَبْدِ يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَأَعْطَاهُ غَلَطًا سِتِّينَ فَأَخَذَ الْعَشَرَةَ لِيَرُدَّهَا فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَرْضٌ وَالْبَاقِي وَدِيعَةٌ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، هَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَكَذَا لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
لَهُ عَلَى آخَرَ خَمْسُونَ فَاسْتَوْفَى غَلَطًا سِتِّينَ فَلَمَّا عَلِمَ أَخَذَ عَشَرَةً لِلرَّدِّ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَرْضٌ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
اسْتَقْرَضَ مِنْهُ رَجُلٌ عِشْرِينَ فَأَعْطَاهُ مِائَةً، فَقَالَ: خُذْ مِنْهَا عِشْرِينَ قَرْضًا وَالْبَاقِي عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ، فَفَعَلَ ثُمَّ أَعَادَ الْعِشْرِينَ الَّتِي أَخَذَهَا فِي الْمِائَةِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: أَخْلِطهَا بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ ثُمَّ ضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ كُلَّهَا، لَا يَضْمَنُ الْأَرْبَعِينَ وَضَمِنَ بَقِيَّتَهَا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ أَعْطَاهُ عَشَرَةً، وَقَالَ: خَمْسَةٌ قَرْضٌ وَخَمْسَةٌ وَدِيعَةٌ، فَلَوْ ضَاعَتْ ضَمِنَ الْخَمْسَةَ الْقَرْضَ دُونَ الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ فَأَعْطَاهُ أَلْفَيْنِ، وَقَالَ: أَلْفٌ مِنْهُمَا قَضَاءُ حَقِّكَ وَأَلْفٌ يَكُونُ وَدِيعَةً فَقَبَضَهَا وَضَاعَتْ، قَالَ: هُوَ قَابِضُ حَقِّهِ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ لِرَبِّ الْمَالِ بِأُجْرَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَمَاتَ وَلَمْ يَدْرِ مَا فَعَلَهُ وَقَدْ تَرَكَ رَقِيقًا وَثِيَابًا صَارَ كُلُّهُ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَكَذَا أَرْضٌ دَفَعَهَا مُزَارَعَةً وَالْبَذْرُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَمَاتَ الْمَزَارِعُ وَالزَّرْعُ قَدْ اخْضَرَّ أَوْ حُصِدَ وَلَمْ يَدْرِ بَعْدُ مَوْتَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قِيمَةُ الزَّرْعِ يَوْمَ مَاتَ أَوْ مِثْلُ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَ مَاتَ صَارَ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ أَقْرَضَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَخْرُجُ الْأَلْفُ مِنْ الْوَدِيعَةِ حَتَّى يَصِيرَ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ يَدُهُ إلَيْهِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا كَانَ أَصْلُهُ أَمَانَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُودِعُ لِصَاحِبِهَا: ائْذَنْ لِي أَنْ أَشْتَرِيَ الْوَدِيعَةِ شَيْئًا وَأَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ قَدْ دَفَعَ الْمَطْلُوبُ إلَى الطَّالِبِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: هَذَا مَالُكَ فَخُذْهَا فَأَخَذَ فَضَاعَتْ وَالْآخِذُ لَا يَعْلَمُ كَمْ هِيَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
بَعَثَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِضَاعَةً لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَتَاعًا فَدَفَعَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ أَلْفًا إلَى سِمْسَارٍ وَاشْتَرَى مَتَاعًا ثُمَّ بَعَثَ إلَى صَاحِبِهِ فَأُصِيبَ الْمَتَاعُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْأَلْفِ: إنَّهَا بِضَاعَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ السِّمْسَارُ اشْتَرَى بِمَحْضَرٍ مِنْهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.