فَلَامَهَا بِالْقَبُولِ فَأَرْسَلَ إلَى مَوْلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ: أَنْ ابْعَثْ مَنْ يَحْمِلُ هَذَا الْوِقْرَ إلَيْكَ فَإِنِّي مَا أَقْبَلُهُ فَأَجَابَ: إنَّهُ يَكُونُ عِنْدَكَ أَيَّامًا ثُمَّ أَحْمِلُهُ وَلَا تَدْفَعْ ذَلِكَ إلَى عَبْدِي ثُمَّ طَلَبَهُ الْمَوْلَى، فَقَالَ: لَا أَدْفَعُ إلَّا إلَى الْعَبْدِ الَّذِي حَمَلَهُ إلَيَّ ثُمَّ سُرِقَ مَعَ مَتَاعِ رَبِّ الْبَيْتِ أَوْ أُغِيرُ عَلَيْهِ، هَلْ يَضْمَنُ رَبُّ الْبَيْتِ لِمَنْعِهِ عَنْ رَسُولِ مَوْلَى الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَدَّقَ الْعَبْدَ أَنَّهُ حَمَلَهَا مِنْ مَوْلَاهُ ضَمِنَ بِالْمَنْعِ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَهُوَ لِمَوْلَاهُ بَعَثَهُ بِهِ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ هُوَ فِي يَدِ الْعَبْدِ بِطَرِيقِ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَوَقَّفَ فِي الرَّدِّ لِيَعْلَمَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ بِالْمَنْعِ، كَذَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ السَّابِعُ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ) . إذَا أَتَى الْوَدِيعَةِ وَوَضَعَهَا فِي مَنْزِلِ الْمُودِعِ فَضَاعَتْ ضَمِنَ الْمُسْتَوْدَعُ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى ابْنِ الْمُودِعِ أَوْ إلَى عَبْدِهِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ فَضَاعَتْ ضَمِنَ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَامِرِيُّ يُفْتِي بِهِ، وَقِيلَ: الْمُودَعُ إذَا رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: يَضْمَنُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ. وَإِذَا رَدَّهَا بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَلَا ضَمَانَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. الْمُودَعُ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ ابْنِهِ الَّذِي لَيْسَ فِي عِيَالِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا ضَمِنَ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَهُوَ فِي وِلَايَتِهِ وَتَدْبِيرُهُ إلَيْهِ فَالرَّدُّ عَلَى يَدِهِ كَالرَّدِّ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ الَّذِي آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ. قَالُوا: إذَا كَانَ الِابْنُ غَيْرَ بَالِغٍ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْحِفْظَ وَيَحْفَظُ الْأَشْيَاءَ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَحْفَظُ فَهُوَ ضَامِنٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ: بَعَثْتُ بِهَا إلَيْكَ مَعَ رَسُولِي وَسَمَّى بَعْضَ مَنْ فِي عِيَالِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: مَعَ أَمَتِي، أَوْ قَالَ: مَعَ عَبْدِي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ قَالَ: رَدَدْتُهَا بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ وَوَصَلَ إلَيْكَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَوْ يُقِيمَ الْمُودَعُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مُودَعُ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
الْمُودَعُ إذَا رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّ الْوَدِيعَةَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَمَرَ الْمُودِعُ الْمُودَعَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى رَسُولِهِ فَدَفَعَ وَهَلَكَتْ فِي يَدِ الرَّسُولِ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودِعَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ رَسُولَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ، هَكَذَا فِي الصُّغْرَى.
غَابَ الْمُودِعُ وَلَا يَدْرِي حَيَاتَهُ وَلَا مَمَاتَهُ يَحْفَظُهَا أَبَدًا حَتَّى يَعْلَمَ بِمَوْتِهِ وَوَرَثَتِهِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَالْوَارِثُ خَصْمٌ فِي طَلَبِ الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ إلَى وَصِيِّهِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
الْمُودَعُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَارِثِ الْمُودِعِ، وَفِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ يَضْمَنُ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ عَلَى الْوَارِثِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ الثَّامِنُ فِيمَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمُسْتَوْدَعُ غَيْرَ وَاحِدٍ) . إذَا اسْتَوْدَعَ رَجُلَانِ رَجُلًا وَدِيعَةً مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ دَوَابَّ أَوْ عَبِيدٍ ثُمَّ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ حَقَّهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَا، وَلَوْ خَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَأْمُرْهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا: يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَقْسِمَ ذَلِكَ وَيَدْفَعَ نَصِيبَهُ إلَيْهِ وَلَا تَكُونُ قِسْمَتُهُ جَائِزَةً عَلَى الْغَائِبِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثَلَاثَةٌ اسْتَوْدَعُوا رَجُلًا فَغَابَ اثْنَانِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَهُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ قَالَ: الِاخْتِلَافُ فِيمَا هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِيمَا هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ سَوَاءٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيمَا هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَفِيمَا عَدَاهَا مِنْ الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ نَصِيبَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ