مِنْ النَّيْسَابُورِيِّ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَمَا يَشْتَرِي بِهِ مِنْ الزُّطِّيِّ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّى، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْهَرَوِيَّ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ النَّيْسَابُورِيَّ فَهُوَ بِضَاعَةٌ فِي يَدِهِ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ الزُّطِّيَّ فَالْمَالُ قَرْضٌ عَلَيْهِ وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
مَرَّ الْمُضَارِبُ عَلَى السُّلْطَانِ فَدَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا لِيَكُفَّ عَنْهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ أَخَذَهَا كُلَّهَا كَرْهًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا غَصَبَ مِنْهُ الْبَعْضَ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَأَخْبَرَ بِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيمَا أَخَذَ مِنْهُ الْعَاشِرُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَعْطَى الْعَاشِرَ بِغَيْرِ إلْزَامٍ مِنْ الْعَاشِرِ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَعْطَى، وَكَذَلِكَ إنْ صَانَعَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ حَتَّى كَفَّ عَنْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَعْطَى، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ: الْجَوَابُ فِي زَمَانِنَا بِخِلَافِ هَذَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيمَا يُعْطِي مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَى شَاطِرٍ طَمِعَ فِيهِ وَقَصَدَ أَخْذَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا صَانَعَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)
وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَشَرَةِ أَبْوَابٍ
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْإِيدَاعِ الْوَدِيعَةِ وَرُكْنِهَا وَشَرَائِطِهَا وَحُكْمِهَا) .
أَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَالْإِيدَاعُ هُوَ تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ الْوَدِيعَةُ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ، كَذَا فِي الْكَنْزِ.
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَقَوْلُ الْمُودِعِ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ أَوْ الْأَفْعَالِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَقَطْ، هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ. الْوَدِيعَةُ تَارَةً تَكُونُ بِصَرِيحِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ، فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَوْدَعْتُكَ، وَقَوْلُ الْآخَرِ: قَبِلْتُ، وَلَا تَتِمُّ فِي حَقِّ الْحِفْظِ إلَّا بِذَلِكَ وَتَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْغَاصِبِ: أَوْدَعْتُكَ الْمَغْصُوبَ، بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، فَأَمَّا وُجُوبُ الْحِفْظِ فَيَلْزَمُ عَلَى الْمُودَعِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ، وَالدَّلَالَةُ إذَا وَضَعَ عِنْدَهُ مَتَاعًا وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، أَوْ قَالَ: هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ، وَسَكَتَ الْآخَرُ صَارَ مُودَعًا حَتَّى لَوْ غَابَ الْآخَرُ فَضَاعَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ وَقَبُولٌ عُرْفًا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ الْآبِقَ وَالطَّيْرَ الَّذِي هُوَ فِي الْهَوَاءِ وَالْمَالَ السَّاقِطَ فِي الْبَحْرِ لَا يَصِحُّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ. وَمِنْهَا عَقْلُ الْمُودِعِ فَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَأَمَّا بُلُوغُهُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِحَّ الْإِيدَاعُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا حُرِّيَّتُهُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَيَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَصِحُّ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ حُرِّيَّةُ الْمُودِعِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ حَتَّى يَصِحَّ الْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعَقْدِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقَبُولُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَوُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُودَعِ وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَوُجُوبُ أَدَائِهِ عِنْدَ طَلَبِ مَالِكِهِ، كَذَا فِي الشُّمُنِّيِّ.
الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارَ وَلَا تُؤَاجَرُ وَلَا تُرْهَنُ، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا ضَمِنَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَضَعَ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَحْفَظْهُ حَتَّى ضَاعَ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ، وَلَوْ وَضَعَ عِنْدَ آخَرِ شَيْئًا، وَقَالَ: احْفَظْهُ، فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَقَالَ: لَا أَحْفَظُهُ، فَضَاعَ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
لَوْ قَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَجْلِسِ وَتَرَكَ كِتَابَهُ أَوْ مَتَاعَهُ فَالْبَاقُونَ مُودَعُونَ فِيهِ حَتَّى لَوْ تَرَكُوا وَهَلَكَ ضَمِنُوا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ حَافِظُونَ، فَإِنْ قَامَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَالضَّمَانُ عَلَى آخِرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ حَافِظًا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
مَنْ تَرَكَ بَابَ حَانُوتِهِ مَفْتُوحًا فَقَامَ وَاحِدٌ ثُمَّ وَاحِدٌ فَضَمَانُ مَا ضَاعَ عَلَى آخِرِهِمْ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ ثَوْبٌ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْبَ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ كَانَ هَذَا عَلَى الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ رَجُلٌ دَخَلَ بِدَابَّتِهِ خَانًا، وَقَالَ لِصَاحِبِ الْخَانِ: أَيْنَ أَرْبِطُهَا؟ فَقَالَ: هُنَاكَ، فَرَبَطَهَا وَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجِدْ دَابَّتَهُ، فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ: إنَّ صَاحِبَكَ أَخْرَجَ الدَّابَّةَ لِيَسْقِيَهَا وَلَمْ