يَدَيْ الْقَاضِي لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قِيَامُهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْقَاضِي حَتَّى لَا يَسْمَعُوا مَا يَدُورُ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ مِنْ الْخُصُومِ، وَلَا يَعْرِفُوا رَأْيَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ مَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ الْمَسَائِلِ وَلَا يَحْتَالُونَ لِإِبْطَالِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا تَقَدَّمَ خَصْمَانِ سَأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنْ دَعْوَاهُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبُ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ بَعْضُهُمْ قَالَ: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنْ دَعْوَاهُ وَلَكِنْ يَسْكُتُ وَيَسْمَعُ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْأَلُ وَبِهِ أَخَذَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبُ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي مَحَاضِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى، وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَاضِي يَسْأَلُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسْأَلُ بَلْ يَسْكُتُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا جَلَسَ الْخُصُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَسْتَنْطِقُهُمْ فَيَقُولُ أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي فَإِذَا عَرَفَ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَدَّعِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرْفَقُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
فَإِذَا حَضَرَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَهُمَا بِالْكَلَامِ فَقَالَ: مَا لَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا حَتَّى يَبْدَآهُ بِالنُّطْقِ، وَهُوَ أَحْسَنُ كَيْ لَا يَكُونَ مُهَيِّجًا لِلْخُصُومَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
ثُمَّ إذَا سَأَلَهُ، أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَلَكِنْ ادَّعَى بِنَفْسِهِ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي الصَّحِيفَةِ وَيَنْظُرُ فِيهِ أَصَحِيحٌ هُوَ أَمْ فَاسِدٌ.؟
فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَا يُقْبِلُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي: قُمْ فَصَحِّحْ دَعْوَاك هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنْ يَقُولُ: دَعْوَاك هَذِهِ فَاسِدَةٌ فَلَا يَلْزَمُنِي سَمَاعُهَا، وَهَذَا لَيْسَ بِتَلْقِينٍ بَلْ فَتْوَى بِالْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ: إنَّ خَصْمَك ادَّعَى عَلَيْك كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَقُولُ.؟
هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبُ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، فَإِنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسْأَلُهُ الْقَاضِي الْجَوَابَ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ لِيَأْتِيَ بِالْجَوَابِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِذَا تَكَلَّمَ صَاحِبُ الدَّعْوَى أَسْكَتَ الْآخَرَ وَاسْتَمَعَ مِنْ صَاحِبِ الدَّعْوَى حَتَّى يَفْهَمَ حُجَّتَهُ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَكَلَّمَا مَعًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَفْهَمَ كَلَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالسُّكُوتِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْتَنْطِقُ الْآخَرَ وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُ الْآخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ الْمُدَّعِيَ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْقُضَاةِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُ الْآخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَمِسْ الْمُدَّعِي ذَلِكَ كَذَا فِي السِّغْنَاقِيِّ.
وَلَا يُلَقِّنُ الشُّهُودَ بِقَوْلِهِ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَمَا إذَا كَانَ