فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُلْتَفِتًا بِقَلْبِهِ إلَى اللَّهِ فِي أَنْ يَفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ الْتَفَتَ بِقَلْبِهِ إلَى اللَّهِ فَهُوَ طَالِبٌ مُسْتَعِيذٌ بِحَالِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَبِ بِالْحَالِ وَالْقَالِ، وَهُوَ بِهِمَا أَكْمَلُ وَأَتَمُّ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ مُعْرِضًا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَحْيَا وَيَبْقَى، إلَّا بِمَا يُقِيمُ حَيَاتَهُ وَيَدْفَعُ مَضَارَّهُ بِذَلِكَ.

وَاَلَّذِي بِهِ يَحْيَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ إمَّا أَنْ يُحِبَّهُ وَيَطْلُبَهُ وَيُرِيدَهُ مِنْ أَحَدٍ، أَوْ لَا يُحِبَّهُ وَلَا يَطْلُبَهُ وَلَا يُرِيدَهُ، فَإِنْ أَحَبَّهُ وَطَلَبَهُ وَأَرَادَهُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ كَانَ مُشْرِكًا مَذْمُومًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا، وَإِنْ قَالَ: لَا أُحِبُّهُ وَأَطْلُبُهُ وَأُرِيدُهُ لَا مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ خَلْقِهِ، قِيلَ: هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي الْحَيِّ، فَإِنَّ الْحَيَّ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُحِبَّ مَا بِهِ يَبْقَى، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ امْتَنَعَ أَنْ يُوصَفَ بِالرِّضَا، فَإِنَّ الرَّاضِي مَوْصُوفٌ بِحُبٍّ وَإِرَادَةٍ خَاصَّةٍ، إذْ الرِّضَا مُسْتَلْزِمٌ لِذَلِكَ، فَكَيْفَ يُسْلَبُ عَنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ هَذَا الْكَلَامِ.

وَأَمَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَرِيقِهِ وَدِينِهِ فَمِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: الرَّاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَكُونُ رَاضِيًا عَنْ اللَّهِ مَنْ لَا يَفْعَلُ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ؟ وَكَيْفَ يَسُوغُ رِضَا مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَيَسْخَطُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ؟ .

وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الرِّضَا الْمَحْمُودَ إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُحِبَّهُ وَيَرْضَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا الرِّضَا مَأْمُورًا بِهِ لَا أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ مِنْ الرِّضَا مَا هُوَ كُفْرٌ، كَرِضَا الْكُفَّارِ بِالشِّرْكِ، وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَكْذِيبِهِمْ، وَرِضَاهُمْ بِمَا يَسْخَطُهُ اللَّهُ وَيَكْرَهُهُ. قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28] . فَمَنْ اتَّبَعَ مَا أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَاهُ وَعَمَلِهِ فَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ.

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا عُمِلَتْ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ غَابَ عَنْهَا وَرَضِيَهَا كَمَنْ حَضَرَهَا، وَمَنْ شَهِدَهَا وَسَخِطَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَأَنْكَرَهَا» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015