أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: نُؤْمِنُ بِهَا وَنُصَدِّقُ بِهَا وَلَا كَيْفَ وَلَا مَعْنَى وَلَا نَرُدُّ مِنْهَا شَيْئًا، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ إذَا كَانَتْ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ، وَلَا نَرُدُّ عَلَى اللَّهِ قَوْلَهُ وَلَا يُوصَفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، بِلَا حَدٍّ وَلَا غَايَةٍ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] .
وَقَالَ حَنْبَلٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَقَدْ أَجْمَلَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالصِّفَةِ لِنَفْسِهِ، فَحَدَّ لِنَفْسِهِ صِفَةً لَيْسَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ فَنَعْبُدُ اللَّهَ بِصِفَاتٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ وَلَا مَعْلُومَةٍ إلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
قَالَ حَنْبَلٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ وَلَا يَبْلُغُهُ الْوَاصِفُونَ وَصِفَاتُهُ مِنْهُ وَلَهُ وَلَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، فَنَقُولُ كَمَا قَالَ، وَنَصِفُهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ وَلَا تَبْلُغُهُ صِفَةَ الْوَاصِفِينَ، نُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَلَا نُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ بِشَنَاعَةٍ شُنِّعَتْ وَوَصْفٍ وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَلَامٍ وَنُزُولٍ وَخُلُوِّهِ بِعَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَضْعِهِ كَنَفَهُ عَلَيْهِ.
هَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ. وَالتَّحْدِيدُ فِي هَذَا بِدْعَةٌ وَالتَّسْلِيمُ لِلَّهِ بِأَمْرِهِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَا حَدٍّ إلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا عَالِمًا غَفُورًا عَالَمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ عَلَّامَ الْغُيُوبِ، فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ لَا تُرَدَّ وَلَا تُدْفَعُ وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة: 4] كَيْفَ شَاءَ، الْمَشِيئَةُ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالِاسْتِطَاعَةُ لَهُ. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ.
وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ. {لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} [مريم: 42] فَثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ صِفَاتُهُ مِنْهُ لَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ.
وَالْخَبَرُ بِضَحِكِ اللَّهِ، وَلَا نَعْلَمُ كَيْفَ ذَلِكَ إلَّا بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ وَتَبْيِينِ الْقُرْآنِ، لَا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ وَلَا يَحُدُّهُ أَحَدٌ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُشْتَبِهَةُ قُلْت لَهُ: وَالْمُشَبِّهَةُ مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: مَنْ قَالَ بَصَرٌ كَبَصَرِي. وَيَدٌ كَيَدِي - وَقَالَ حَنْبَلٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ - وَقَدَمٌ كَقَدَمِي. فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ بِخَلْقِهِ وَهَذَا يَحُدُّهُ. وَهَذَا كَلَامٌ سُوءٌ وَهَذَا مَحْدُودُ الْكَلَامِ فِي هَذَا لَا أُحِبُّهُ.