أَلَيْسَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] أَتَرَاهُ أَنَّهَا قَالَتْ بِجَوْفٍ وَشَفَتَيْنِ وَلِسَانٍ؟ وَقَالَ اللَّهُ: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} [الأنبياء: 79] أَتَرَاهَا أَنَّهَا سَبَّحَتْ بِفَمٍ وَجَوْفٍ وَلِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ وَالْجَوَارِحُ إذَا شَهِدَتْ عَلَى الْكَافِرِ فَقَالُوا: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21] أَتَرَاهَا نَطَقَتْ بِجَوْفٍ وَشَفَتَيْنِ وَفَمٍ وَلِسَانٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَنْطَقَهَا كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ فَمٌ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ.

قَالَ: فَلَمَّا خَنَقَتْهُ الْحُجَجُ قَالَ إنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُهُ. فَقُلْنَا وَغَيْرُهُ مَخْلُوقٌ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا هَذَا مِثْلُ قَوْلِكُمْ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّكُمْ تَدْفَعُونَ الشَّنِعَةَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ بِمَا تُظْهِرُونَ وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ قَالَ «لَمَّا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ رَبِّهِ قَالَ يَا رَبِّ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْته هُوَ كَلَامُك قَالَ نَعَمْ يَا مُوسَى هُوَ كَلَامِي وَإِنَّمَا كَلَّمْتُك بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلَافِ لِسَانٍ وَلِي قُوَّةُ الْأَلْسُنِ كُلِّهَا وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَلَّمْتُك عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ بَدَنُك وَلَوْ كَلَّمْتُك بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِتَّ قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمِهِ قَالُوا لَهُ: صِفْ لَنَا كَلَامَ رَبِّك، فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَهُ لَكُمْ قَالُوا تُشَبِّهُهُ. قَالَ: أَسْمَعْتُمْ أَصْوَاتَ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تُقْبِلُ فِي أَحْلَى حَلَاوَةٍ سَمِعْتُمُوهَا فَكَأَنَّهُ مِثْلُهُ» .

قَالَ وَقُلْنَا لِلْجَهْمِيَّةِ: مَنْ الْقَائِلُ لِعِيسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116] أَلَيْسَ اللَّهُ هُوَ الْقَائِلُ قَالُوا: يَكُونُ اللَّهُ شَيْئًا يُعَبِّرُ عَنْ اللَّهِ كَمَا يَكُونُ فَعَبَّرَ لِمُوسَى فَقُلْنَا: فَمَنْ الْقَائِلُ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] أَلَيْسَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ؟ قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَكُونُ اللَّهُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنْ اللَّهِ قُلْنَا قَدْ أَعْظَمْتُمْ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ حَتَّى زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ فَشَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَتَحَرَّك وَلَا تَزُولُ عَنْ مَكَان إلَى مَكَان، فَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ قَالَ أَقُولُ إنَّ اللَّهَ قَدْ يَتَكَلَّمُ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ كَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ، فَفِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015