{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] وَقَالَ: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} [مريم: 97] فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا وَيَسَّرَهُ بِلِسَانِ نَبِيِّهِ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ جَعَلَ بِهِ الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا، فَفِي هَذَا بَيَانٌ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ هُدَاهُ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَلَائِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ وَأَمْرُهُ فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ هُوَ الْخَالِقُ الْمُكَوِّنُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا خَرَّجَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، بَيَانُ مَا أَنْكَرَتْ الْجَهْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ كَلَّمَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. قُلْنَا: لِمَ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ إنَّمَا كَوَّنَ شَيْئًا فَعَبَّرَ عَنْ اللَّهِ وَخَلَقَ صَوْتًا فَسَمِعَ. فَزَعَمُوا أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جَوْفٍ وَفَمٍ وَشَفَتَيْنِ وَلِسَانٍ.

فَقُلْنَا فَهَلْ يَجُوزُ لِمُكَوِّنٍ أَوْ لِغَيْرِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ لِمُوسَى {لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَإِنِّي أَنَا رَبُّك؟ فَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّ اللَّهَ كَوَّنَ شَيْئًا كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الْمُكَوَّنُ يَا مُوسَى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، وَقَالَ: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] وَقَالَ: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] فَهَذَا مَنْصُوصُ الْقُرْآنِ قَالَ: وَأَمَّا مَا قَالُوا إنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ.

فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جَوْفٍ وَفَمٍ وَشَفَتَيْنِ وَلِسَانٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015