الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْمَرْأَةِ لَا تُؤَثِّرُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا عَلِمَتْ هِيَ أَوَ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا، وَإِنْ اعْتَقَدَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى التَّحْلِيلِ وَسَأَلَتْهُ لَمَّا دَخَلَ الطَّلَاقَ أَوْ خَالَعَتْهُ بِمَالٍ جَازَ.

قَالَ مَالِكٌ: لَا يَضُرُّ الزَّوْجَ مَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ دُونَهَا قَالَ أَصْحَابُهُ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ مُخْتَصٌّ بِهِ الزَّوْجُ الثَّانِي، سَوَاءٌ فِيهِ وَاطَأَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ وَنَوَى الْإِحْلَالَ وَالطَّلَاقَ أَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا أَمْ لَمْ يَأْخُذْ، فَإِذَا لَمْ يُوَاطِئْ الزَّوْجُ الثَّانِي وَلَا نَوَى فَهُوَ نِكَاحُ رَغْبَةٍ وَيُحِلُّهَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالْمَرْأَةُ قَدْ تَوَاطَآ عَلَى ذَلِكَ أَوْ دَسَّا إلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ بَذَلَا لَهُ مَالًا كُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: إذَا هَمَّ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ نِكَاحُ مُحَلِّلٍ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَلَفْظُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا كَانَتْ نِيَّةُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَوْ الزَّوْجِ الثَّانِي أَوْ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ فَنِكَاحُ هَذَا الْأَخِيرِ بَاطِلٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ الرَّجُلَ وَلَيْسَتْ هِيَ رَاغِبَةٌ فِيهِ فَلَيْسَتْ هِيَ نَاكِحَةً كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ هِيَ مُسْتَهْزِئَةٌ بِآيَاتِ اللَّهِ مُتَلَاعِبَةٌ بِحُدُودِ اللَّهِ، وَهِيَ خَادِعَةٌ لِلرَّجُلِ مَاكِرَةٌ بِهِ، وَهِيَ إنْ لَمْ تَمْلِكْ الِانْفِرَادَ بِالْفُرْقَةِ فَإِنَّهَا تَنْوِي التَّسَبُّبَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ تَحْصُلُ بِهِ غَالِبًا بِأَنْ تَنْوِيَ الِاخْتِلَاعَ مِنْهُ وَإِظْهَارَ الزُّهْدِ فِيهِ وَكَرَاهَتَهُ وَبُغْضَهُ، وَذَلِكَ مِمَّا يَبْعَثُهُ عَلَى خُلْعِهَا أَوْ طَلَاقِهَا، وَيَقْتَضِيهِ فِي الْغَالِبِ، ثُمَّ إنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنْ تَنْوِيَ النُّشُوزَ عَنْهُ، وَفِعْلَ مَا يُكْرَهُ لَهَا، وَتَرْكَ مَا يَنْبَغِي لَهَا، فَهَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ فِي الْعَادَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَتْ مَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ تَنْوِ فِعْلَ مُحَرَّمٍ وَلَا تَرْكَ وَاجِبٍ، فَهِيَ لَيْسَتْ مُرِيدَةً لَهُ، وَمِثْلُ هَذِهِ فِي مَظِنَّةِ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ مَعَهُ، وَلَا يَلْتَئِمُ مَقْصُودُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، فَيُفْضِي إلَى الْفُرْقَةِ غَالِبًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ يُوجِبُ الْمَوَدَّةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالرَّحْمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَقْصُودُهُ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ، وَمَتَى كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ تَكْرَهُ الْمُقَامَ مَعَهُ وَتَوَدُّ فُرْقَتَهُ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ مَعْقُودًا عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] فَلَمْ يُبِحْ إلَّا نِكَاحًا يُظَنُّ فِيهِ أَنْ يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ لَا تَظُنُّ أَنْ تُقِيمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015