وَمِنْ أَسْرَارِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعُمُّ هَذَا لَفْظًا كَمَا يَعُمُّهُ مَعْنًى، فَإِنَّ الْعَطْفَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّغَايُرِ فِي الصِّفَات كَمَا يَكُونُ لِلتَّغَايُرِ فِي الذَّوَاتِ، فَيُقَالُ لِهَذَا لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَإِنْ كَانَا وَصْفَيْنِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا قُلْنَا هَذَا أَغْلَظُ فِي التَّحْرِيمِ، حَيْثُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ لَعْنَتَانِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ قَدْ وَاطَأَهُمْ أَخَذَ بِنَصِيبِهِ مِنْ اللَّعْنَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ نَصِيبِ السَّيِّدِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ التَّحْلِيلِ إنَّمَا تَمَّ بِرِضَاهُ وَرِضَا السَّيِّدِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُحَلِّلُ عَبْدًا لِغَيْرِ الْمُطَلِّقِ، فَإِنَّهُ إذَا حَلَّلَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ حَقَّتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِمَا، وَيَزِيدُهُ قُبْحًا أَنَّ الزَّوْجَ هُنَا عَبْدٌ لَيْسَ بِكُفْءٍ وَنِكَاحُهُ إمَّا مَنْقُوصٌ أَوْ بَاطِلٌ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَمَنْ يُصَحِّحُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ رِضَا جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحْلِيلَ بِالْعَبْدِ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْمُطَلِّقِ بَلْ مِنْ صَدِيقٍ لَهُ يُزَوِّجُهَا بِعَبْدِهِ، وَيُوَاطِئُهَا عَلَى أَنْ يُمَلِّكَهَا إيَّاهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ الزَّوْجُ التَّحْلِيلَ هُنَاكَ وَعَلِمَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْمُطَلِّقِ، وَإِنْ عَلِمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ هُنَاكَ، وَكَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى التَّحْلِيلِ فَهِيَ حَاصِلَةٌ هُنَا، فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ» ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الزَّوْجَ فَالسَّيِّدُ هُنَا بِمَنْزِلَتِهِ وَاللَّفْظُ يَشْمَلُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْصِدْهُ بِلَفْظِ الْمُحَلِّلِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلٌ بِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ، بِقَصْدِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى عَبْدِهِ وَابْنِهِ الصَّغِيرَيْنِ أَوْ الْمَجْنُونَيْنِ، أَوْ بِنِيَّةِ أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْهُ، بِأَنْ يُوَاطِئَهَا أَوْ يُوَاطِئَ غَيْرَهَا عَلَى الْخُلْعِ، فَإِنَّ جَوَازَ الْخُلْعِ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَقْوَى مِنْ جَوَازِ الطَّلَاقِ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَعْقِدَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَهُ عُقُودَ حِيَلٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ.

فَإِنَّ الْحِيَلَ الَّتِي يَحْتَالُهَا الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي مَالِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَحْتَالُهُ الْمَرْءُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي مُعَامَلَاتٍ مِنْ الْحِيَلِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُعَامِلَ السَّيِّدُ نَفْسَهُ تِلْكَ الْمُعَامَلَةَ، حَيْثُ حَصَلَ غَرَضُهُ بِفِعْلِ عَبْدِهِ، كَحُصُولِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي جُعِلَ فِي مَذْهَبِنَا غَيْرُ مُحْتَمَلٍ أَصْلًا فَإِنَّ قَوْلَهُ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّحْلِيلِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ كَلَامٌ غَيْرُ سَدِيدٍ فَمَنْ الَّذِي سَلَّمَ ذَلِكَ، أَوْ مَا الَّذِي دَلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ مَنْ يَمْلِكُ فُرْقَةً بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَإِنَّ التَّحْلِيلَ دَائِرٌ مَعَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ الَّذِي يَقْصِدُ التَّحْلِيلَ مَلْعُونًا، فَاَلَّذِي يَقْصِدُ أَنْ يُحَلِّلَ بِالزَّوْجِ وَيَفْسَخَ نِكَاحَهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَلْعُونًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015