ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ إذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَالْمُخَادِعُونَ يُؤْثِرُونَ هَذِهِ الْحِيلَةَ لِشَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَا تَكُونُ بِيَدِ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ أَوْ الزَّوْجَةِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الزَّوْجُ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْفُرْقَةِ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنْ الطَّلَاقِ، فَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ.

الثَّانِي: زَعَمُوا أَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُمَا مِنْ إدْخَالِ أَجْنَبِيٍّ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ إيطَاءَ عَبْدِهِ لَيْسَ كَإِيطَاءِ مَنْ يُسَامِيهِ فِي الْحُرِّيَّةِ، ثُمَّ ذَهَبَ بَعْدَ الشُّذُوذِ إلَى أَنَّ وَطْءَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُجَامِعُ مِثْلَهُ يُحِلُّهَا، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُجْبِرُهُ عَلَى النِّكَاحِ صَارَ بِيَدِ الْمُطَلِّقِ الْعَقْدُ وَالْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ مَا يُعَارِضُهُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَمِنْهُمْ مَنْ يُجْبِرُهُ عَلَى النِّكَاحِ فَيَصِيرُ بِيَدِ السَّيِّدِ الْعَقْدُ وَالْفَسْخُ أَيْضًا، وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَعْنِي فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ احْتِمَالًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَنْوِ التَّحْلِيلَ وَإِنَّمَا نَوَاهُ غَيْرُهُ، وَالْعِبْرَةُ فِي التَّحْلِيلِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ لَا بِنِيَّةِ غَيْرِهِ.

وَهَذِهِ الصُّورَةُ أَبْلَغُ فِي الْمُخَادَعَةِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَالتَّلَاعُبِ بِحُدُودِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ هُنَاكَ كَانَ الْمُحَلِّلُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ الْفُرْقَةُ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ، وَهُنَا جُعِلَتْ الْفُرْقَةُ بِيَدِ الْمُطَلِّقِ وَالْمَرْأَةِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ تَحْتَ حَجْرِ الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ وَصِيًّا لَهَا، فَيَرَى أَنْ يَهَبَهَا الْعَبْدَ وَيَقْبَلَهُ هُوَ أَوْ يَبِيعَهَا إيَّاهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ الْوَصِيَّ لِلْيَتِيمِ، فَإِنَّ مَنْ فَتَحَ بَابَ الْمُخَادَعَةِ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ حَدٍّ يَتَعَدَّى مَا أَمْكَنَهُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، وَيَنْتَهِكُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ يَبْقَى الْمُطَلِّقُ مُسْتَقِلًّا بِفَسْخِ النِّكَاحِ، ثُمَّ إنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَمِنْ نِيَّةِ هَذَا السَّيِّدِ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ كَانَ الزَّوْجُ أَيْضًا مَخْدُوعًا مَمْكُورًا بِهِ، حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحٍ بَاشَرَهُ وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِهِ نِكَاحًا، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ سِفَاحٌ، فَهُنَاكَ إنَّمَا وَقَعَتْ الْمُخَادَعَةُ فِي حَقِّ اللَّهِ فَقَطْ. وَهُنَا وَقَعَتْ الْمُخَادَعَةُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ آدَمِيٍّ وَهَذَا هُوَ الزَّوْجُ، وَاللَّعْنَةُ الَّتِي وَجَبَتْ هُنَاكَ عَلَى الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ يَصِيرُ كِلْتَاهُمَا هُنَا عَلَى الْمُطَلِّقِ وَهُوَ الْمُحَلَّلُ لَهُ وَعَلَى الزَّوْجَةِ فَيَقْتَسِمَانِ لَعْنَةَ الْمُحَلِّلِ، وَيَنْفَرِدُ الْمُطَلِّقُ بِلَعْنَةِ الْمُحَلَّلِ لَهُ أَوْ تُشْرِكُهُ الْمَرْأَةُ فِيهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015