وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيَّ وَغَيْرِهِمْ.
وَمَنَعَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مِنْ بَيْعِ الْكُفَّارِ مَا يَتَقَوُّونَ بِهِ مِنْ كُرَاعٍ وَسُرُوجٍ وَحَرْثِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، ذَكَرَهُمَا فِي الْحَاوِي، وَجَرَى التَّصْرِيحُ عَنْ السَّلَفِ بِتَحْرِيمِ هَذَا الْبَيْعِ وَبِفَسَادِهِ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ تَبَعًا لِلسَّلَفِ، فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ لِي كُرُومًا فَأَعْصِرُهَا خَمْرًا فَأَعْتِقُ مِنْ ثَمَنِهَا الرِّقَابَ، وَأَحْمِلُ عَلَى جِيَادِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَتَصَدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِسْقٌ إنْ أَنْفَقَتْ وَفِسْقٌ إنْ تَرَكَتْ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَعَقَرَ كُلَّ شَجَرَةِ عِنَبٍ كَانَ يَمْلِكُهَا وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ بُكَيْر أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الْعَصِيرِ فَقَالَ: لَا يَصْلُحُ. فَقَالَ: إنْ عَصَرْته ثُمَّ شَرِبْته مَكَانِي قَالَ: فَلَا بَأْسَ. قَالَ: فَمَا بَالُ بَيْعِهِ حَرَامٌ وَشُرْبُهُ حَلَالٌ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ. مَا أَدْرِي أَجِئْتَ تَسْتَفْتِينِي أَمْ جِئْتَ تُمَارِينِي. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْخَمْرِ إلَّا أَنْ يَكُون يَسِيرًا. وَبِكَوْنِ مُبْتَاعِهِ مَأْمُونًا يُعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِيَشْرَبَهُ عَصِيرًا كَمَا هُوَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْكَرْمِ إذَا خِيفَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيهِ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِعَصْرِهِ خَمْرًا فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُشْتَرِيهِ مُسْلِمًا يُخَالِفُ أَنْ يَسْتَحِلَّ ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ مِنْهُ عَلَى حَالٍ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُمْ عَصِيرُ الْخَمْرِ وَبَيْعُهَا، قَدْ كَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَضَرَبَ الْأَوْزَاعِيُّ، لِذَلِكَ مَثَلًا كَمَنْ بَاعَ سِلَاحًا مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ مُسْلِمًا. قَالَ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْعَسَلَ أَوْ التَّمْرَ أَوْ الزَّبِيبَ أَوْ الْقَمْحَ مِمَّنْ يَعْمَلُ ذَلِكَ شَرَابًا مُسْكِرًا وَكَرِهَ طَعَامَ عَاصِرِ الْخَمْرِ وَبَائِعِهَا وَكَرِهَ مُبَايَعَتَهُ وَمُخَالَطَتَهُ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ لِبَيْتِهِ أَوْ حَانُوتِهِ مِمَّنْ يَبِيعُ فِيهَا الْخَمْرَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَدْ نَهَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ أَوْ حَانُوتَهُ مِمَّنْ يَبِيعُ فِيهَا الْخَمْرَ. حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَمَنْ فَعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ بِأَنْ بَاعَ كَرْمَهُ مِمَّنْ يَعْصِرُهُ خَمْرًا أَوْ أَكْرَى دَارِهِ أَوْ حَانُوتَهُ مِمَّنْ يَبِيعُ فِيهَا الْخَمْرَ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.