الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ عَامٌّ، وَيَحْرِمُ الْفَقِيرَ الْمُحْتَاجَ بَلْ الْفَقِيرَ النَّافِعَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعْطَى مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَتْ لِلْمُهَاجِرِينَ لِفَقْرِهِمْ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ مِنْهَا شَيْئًا لِغِنَاهُمْ إلَّا أَنَّهُ أَعْطَى بَعْضَ الْأَنْصَارِ لِفَقْرِهِ» .
وَفِي السُّنَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا أَتَاهُ مَالٌ أَعْطَى الْآهِلَ قِسْمَيْنِ، وَالْعَزَبَ قِسْمًا» فَيُفَضِّلُ الْمُتَأَهِّلَ عَلَى الْمُتَعَزِّبِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَنَفَقَةِ امْرَأَتِهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلَفْظُهُ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا أَتَاهُ الْفَيْءُ قَسَمَهُ مِنْ يَوْمِهِ فَأَعْطَى الْآهِلَ حَظَّيْنِ وَأَعْطَى الْعَزَبَ حَظًّا»
، وَحَدِيثُ عُمَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ يَوْمًا الْفَيْءَ فَقَالَ: مَا أَنَا بِأَحَقَّ بِهَذَا الْفَيْءِ مِنْكُمْ، وَمَا أَحَدٌ مِنَّا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا أَنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، الرَّجُلُ وَقَدَمُهُ وَالرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ وَالرَّجُلُ وَغَنَاؤُهُ وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ. وَلَفْظُ أَحْمَدَ: قَالَ كَانَ عُمَرُ يَحْلِفُ عَلَى أَيْمَانٍ ثَلَاثٍ: وَاَللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، وَوَاللَّهِ مَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ إلَّا عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَلَكِنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَالرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالرَّجُلُ وَقَدَمُهُ وَالرَّجُلُ وَغَنَاؤُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، وَاَللَّهِ لَئِنْ بَقِيت لَهُمْ لَأُوتَيَنَّ الرَّاعِيَ بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظَّهُ فِي هَذَا الْمَالِ، وَهُوَ يَرْعَى مَكَانَهُ.
فَهَذَا كَلَامُ عُمَرَ الَّذِي يَذْكُرُ فِيهِ بِأَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ حَقًّا يَذْكُرُ فِيهِ تَقْدِيمَ أَهْلِ الْحَاجَاتِ، وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْأَغْنِيَاءُ الَّذِينَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ وَيُحْرَمَ الْفُقَرَاءُ، فَإِنَّ هَذَا مُضَادٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] وَإِذَا جَعَلَ الْفَيْءَ مُتَدَاوَلًا بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، فَهَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَأَمَّا نَقْلُ النَّاقِلِ مَذْهَبَ مَالِكٍ بِأَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجِزْيَةُ جَمَاجِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِينَ، مَا كَانَ مِنْهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ جِزْيَةٌ، وَالْجِزْيَةُ عِنْدَهُ فَيْءٌ، قَالَ: