يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ يَجُوزُ قَسْمُهَا، وَيَجُوزُ تَرْكُ قَسْمِهَا، وَقَدْ يَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ يَجُوزُ قَسْمُهَا، وَيَجُوزُ تَرْكُ قَسْمِهَا، وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا كَبِيرًا.
إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَمِصْرُ هِيَ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يَقْسِمْهَا عُمَرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنْبَلِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، لَكِنْ تَنَقَّلَتْ أَحْوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَنَقَّلَتْ أَحْوَالُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ حُلَفَاءَ بَنِي الْعَبَّاسِ نَقَلُوهُ إلَى الْمُقَاسَمَةِ بَعْدَ الْمُحَاوَصَةِ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ مِصْرُ رُفِعَ عَنْهَا الْخَرَاجُ مِنْ مُدَّةٍ لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا، وَصَارَتْ الرَّقَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ عُمَرَ فِي الْفَيْءِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقًّا، لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ الْفُقَرَاءَ وَأَهْلَ الْمَنْفَعَةِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ إنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَغَنَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَسَابِقَتُهُ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، فَكَانَ يُقَدِّمُ فِي الْعَطَاءِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَكَانَتْ سِيرَتُهُ التَّفْضِيلَ فِي الْعَطَاءِ بِالْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ.
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْعَطَاءِ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ فِي دِينِهِ، وَقَالَ: إنَّمَا أَسْلَمُوا لِلَّهِ وَأُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الدُّنْيَا بَلَاغٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَوَى فِيهِمْ إيمَانُهُمْ يَعْنِي أَنَّ حَاجَتَهُمْ إلَى الدُّنْيَا وَاحِدَةٌ، فَأُعْطِيهِمْ لِذَلِكَ لَا لِلسَّابِقَةِ وَالْفَضِيلَةِ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ أَجْرَهُمْ يَبْقَى عَلَى اللَّهِ، فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْعَطَاءِ.
وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ قَالَ: لَإِنْ عِشْت إلَى قَابِلَ لَأَجْعَلَنَّ النَّاسَ بَيَانًا وَاحِدًا أَيْ مِائَةً وَاحِدَةً أَيْ صِنْفًا وَاحِدًا، وَتَفْضِيلُهُ كَانَ بِالْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِي قِتَالِ الْأَعْدَاءِ، وَالرَّجُلُ وَغَنَاؤُهُ وَهُوَ الَّذِي يُغْنِي عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَالِحِهِمْ لِوُلَاةِ أُمُورِهِمْ وَمُعَلِّمِيهِمْ، وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ، وَالرَّجُلُ وَسَابِقَتُهُ وَهُوَ مَنْ كَانَ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُفَضِّلُهُمْ فِي الْعَطَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَالرَّجُلُ وَفَاقَتُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ الْفُقَرَاءَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْمُحْتَاجِينَ كَيْفَ يُحْرِمُ بَعْضَهُمْ وَيُعْطِي لِغَنِيٍّ لَا حَاجَةَ لَهُ وَلَا مَنْفَعَةَ بِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا ضَاقَتْ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ إعْطَاءِ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْغَنِيَّ