قَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَلِمْت أَنَّهُ الْحَقُّ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْخَمْسَ وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ سَائِغَةٌ، فَلِهَذَا كَانُوا مُرْتَدِّينَ وَهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَى مَنْعِهَا، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالْوُجُوبِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَقَدْ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ.
وَكَذَلِكَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِ الَّذِينَ لَا يَنْتَهُونَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ» .
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِهِمْ: فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ جَارُوا عَلَى الشَّامِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَامَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ، وَأَعْطَوْا النَّاسَ الْأَمَانَ وَقَرَءُوهُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِدِمَشْقَ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ سَلَبُوا مِنْ ذَرَارِيّ الْمُسْلِمِينَ، مَا يُقَالُ: إنَّهُ مِائَةُ أَلْفٍ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَفَعَلُوا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِجَبَلِ الصَّالِحِيَّةِ، وَنَابُلُسَ، وَحِمْصَ، وَدَارِيَّا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُمْ سَبَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَجَعَلُوا يَفْجُرُونَ بِخِيَارِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا: كَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَالْأُمَوِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَجَعَلُوا الْجَامِعَ الَّذِي بِالْعُقَيْبَةِ دَكًّا، وَقَدْ شَاهَدْنَا عَسْكَرَ الْقَوْمِ فَرَأَيْنَا جُمْهُورَهُمْ لَا يُصَلُّونَ، وَلَمْ نَرَ فِي عَسْكَرِهِمْ مُؤَذِّنًا وَلَا إمَامًا.
وَقَدْ أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَخَرَّبُوا مِنْ دِيَارِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي دَوْلَتِهِمْ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، إمَّا زِنْدِيقٌ مُنَافِقٌ لَا يَعْتَقِدُ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ، وَإِمَّا مَنْ هُوَ مِنْ شَرِّ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالِاتِّحَادِيَّة وَنَحْوِهِمْ.
وَإِمَّا مَنْ هُوَ أَفْجَرُ النَّاسِ وَأَفْسَقُهُمْ، وَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ مَعَ تَمَكُّنِهِمْ لَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُصَلِّي وَيَصُومُ، فَلَيْسَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَ الصَّلَاةِ وَلَا