عَلِيٌّ: الْتَمَسُوا فِيهِ الْمَخْدَعَ. فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَامَ عَلَى سَيْفِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ: أَخِّرُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ فَكَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ.

قَالَ: فَقَامَ إلَيْهِ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَسَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إي وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ أَيْضًا.

فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ، عَلَى تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ، وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ بُغَاةٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً وَقَتْلُ أَمِيرِهِمْ، وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اُسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، كَمَا أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ إذَا قَاتَلُوا الْإِمَامَ عَلَيْهَا، هَلْ يَكْفُرُونَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ قِتَالَ الصِّدِّيقِ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَقِتَالَ عَلِيٍّ الْخَوَارِجَ لَيْسَ مِثْلَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، فَكَلَامُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فِي الْخَوَارِجِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَيْسُوا كُفَّارًا كَالْمُرْتَدِّينَ عَنْ أَصْلِ الْإِسْلَامِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسُوا مَعَ ذَلِكَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ ثَالِثٌ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيهِمْ، وَمِمَّنْ قَاتَلَهُمْ الصَّحَابَةُ مَعَ إقْرَارِهِمْ الشَّهَادَتَيْنِ، وَالصَّلَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مَانِعُوا الزَّكَاةِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا.» فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ يَقُلْ لَك «إلَّا بِحَقِّهَا» فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّهَا، وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَى مَنْعِهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015