آخَرُ بِإِذْنِ الْوَصِيِّ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُوصَى بِهِ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ صُورَةِ الْحِيلَةِ مِثَالٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَفِي عَكْسِ تِلْكَ الصُّورَةِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُوصَى إلَيْهِ إلَّا إنْ أَعْطَى الْوَارِثُ مَا ذَكَرَهُ الْمُوصِي حَتَّى لَوْ أَوْصَى لَهُ بِدِرْهَمٍ إنْ أَعْطَى وَلَدَهُ الْعَالِمَ يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ إلَّا إنْ أَعْطَى الْوَلَدَ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا مُقَابَلَةَ فِيهِ بِعَقْدٍ وَلَا بِغَيْرِهِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ امْتِنَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِشَرْطٍ فَإِنَّ الْمُوصِيَ شَرَطَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى إلَيْهِ الْوَصِيَّةَ أَنْ يُعْطِيَ وَلَدَهُ كَذَا فَإِعْطَاءُ الْوَلَدِ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا مُقَابِلَ لِلْمُوصَى بِهِ فَاتَّضَحَ أَنَّ صُورَةَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ مِثَالٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَنَّ الضَّابِطَ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ أَنْ يُوصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إلَّا أَعْطَى وَلَدَهُ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يُزَادُ فِي الرِّشَاءِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ مُعَيَّنٌ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ زِيَادَةِ مَاءِ الْبِئْرِ، وَنَقْصِهِ فَلَمْ يُقْصَدْ بِالْوَصِيَّةِ تَقْيِيدُهَا بِالْقَدْرِ الْمَعْهُودِ عِنْدَهَا، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ حُصُولُ مَا يَطْلُعُ الْمَاءُ بِسَبَبِهِ سَوَاءٌ أَزَادَ عَلَى الْمَعْهُودِ حَالَ الْوَصِيَّةِ أَمْ نَقَصَ عَنْهُ، وَأَيْضًا فَالْمَدَارُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَنَحْوِهَا عَلَى اللَّفْظِ غَالِبًا حَيْثُ لَا عُرْفَ مُطَّرِدٌ بِخِلَافِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْصَيْت بِكَذَا عَلَى رِشَاءِ الْبِئْرِ الْفُلَانِيَّةِ يَتَنَاوَلُ الرِّشَاءَ الطَّوِيلَ، وَالْقَصِيرَ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعْمِيقِ الْبِئْرِ أَوْ قِلَّةِ مَائِهَا عَنْ الْمَعْهُودِ حَالَ الْوَصِيَّةِ مُخَالِفَةٌ لِلَفْظِ الْمُوصِي بِوَجْهٍ بَلْ مُوَافِقَةٌ لَهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَهُ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُسَمَّى رِشَاءً لِذَلِكَ الْبِئْرِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي يَحُجُّ عَنِّي، وَنَحْوِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْوَصِيِّ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَاجُّ بِدُونِ إذْنِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ مَنْ سَبَقَ بِالْحَجِّ عَنْهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِمَا عُيِّنَ فِي الْوَصِيَّةِ

وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَصِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا لَمْ يُفَوِّضْ الْأَمْرَ لِأَحَدٍ بَلْ جَعَلَ الِاسْتِحْقَاقَ مَنُوطًا بِشَرْطٍ عَامٍّ، وَهُوَ مَنْ حَجَّ، وَعِنْدَ تَعَلُّقِهِ بِشَرْطٍ عَامٍّ كَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى إذْنِ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَطَعَ تَوَقَّفَهُ عَلَيْهِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِهِ فِي يَحُجُّ عَنِّي فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَمِّمْ وَلَا عَيَّنَ كَانَ مُفَوِّضًا التَّعْيِينَ لِلْوَصِيِّ فَمَنْ أُذِنَ لَهُ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ لَا فَلَا.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ، وَأَخٍ، وَابْنِ أَخٍ، وَأَوْصَى أَنَّ لِبِنْتِهِ النِّصْفَ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بَيْنَ أَخِيهِ، وَابْنِ أَخِيهِ فَمَا الْحُكْمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسُ وَلِلْأَخِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْوَصِيَّةَ فِي نَصِيبِ الْأَخِ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ تَوْفِيرُ النِّصْفِ عَلَى الْبِنْتِ فَاتَّبَعَ شَرْطَهُ ثُمَّ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ فِي نَصِيبِ الْأَخِ إلَّا فِي ثُلُثِهِ فَصَحَّتْ فِي ثُلُثِهِ، وَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْأَخِ هَذَا مَا أَفْتَى بِنَظِيرِهِ الْقَاضِي وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفْتَى أَبُو مَنْصُورِ بْنُ الصَّبَّاغِ بِمَا يُنَازَعُ فِيهِ، وَتَبِعَهُ بَعْضُ الْفَرْضِيِّينَ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِمَا فِي دَارِهِ مِنْ طَعَامٍ هَلْ يَتَنَاوَلُ الْجُلْجُلَانَ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الطَّعَامُ لُغَةً يَتَنَاوَلُ حَتَّى الْمَاءَ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ لِلنَّوَوِيِّ، وَشَرْعًا كَذَلِكَ فِي الرِّبَا، وَفِي الْأَيْمَانِ يُسْتَثْنَى الدَّوَاءُ لِلْعُرْفِ، وَفِي الْوَكَالَةِ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْحِنْطَةِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الطَّعَامِ لَمْ يَتَّجِرْ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ عَلَى بَلَدٍ عُرْفُهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ أُطْلِقَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى نَحْوِ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهِ اُخْتُصَّ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ اسْمُ الطَّعَامِ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ بِالْعِرَاقِ عَلَى الْحِنْطَةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمُتَّجَهُ حَمْلُ الطَّعَامِ فِي لَفْظِ الْمُوصِي عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ فِي أَيِّ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ يُعْطِيه مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ شَجَرَةٍ هَلْ تَدْخُلُ ثَمَرَتُهَا الْمُؤَبَّرَةُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُ الْمُؤَبَّرَةُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ حَدَثَ الثَّمَرُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ، وَتَأَخَّرَ وَقْفُهُ عَنْ مَوْتِهِ حَتَّى حَصَلَ مِنْهُ رَيْعٌ فَلِمَنْ يَكُونُ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَكُونُ لِمُسْتَحِقِّ الْوَقْفِ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَارِثِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ قِيَاسًا عَلَى كَسْبِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَفِيهِ خِلَافٌ فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لِلْوَارِثِ، وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لِلْعَبْدِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ رَجَّحَ ذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ لَكِنَّهُ قَاسَهُ عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَهُ عَقَارٌ لَهُ أُجْرَةٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاسْتَغَلَّ الْوَارِثُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015