هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ وَالسُّبْعَيْنِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَنَصِيبُ الْبِنْتَيْنِ الْمَيِّتَتَيْنِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ مِنْ أَبِيهِمَا عَبْدِ اللَّهِ يَنْتَقِلُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى آخَرَ بِأَنْ يَقِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْضًا عَلَى قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ وَعَيَّنَ خِتْمَاتٍ شَرِيفَةً مَعْلُومَةً بِالسَّنَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَتَفَضَّلَ مِنْ مُغِلِّ الْأَرْضِ شَيْءٌ كَثِيرٌ زَائِدٌ عَلَى أُجْرَةِ الْقَارِئِ فَهَلْ الزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ إرْثًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ لِغَيْرِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرَ الْخَتْمَاتِ فَهَلْ الْقِرَاءَةُ بِقَدْرِ أَمْثَالِ الْأَرْضِ، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِالْكُلِّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَصِحُّ وَقْفُ الْأَرْضِ الْمُوصَى بِهَا لِمَا ذُكِرَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَمَا يَحْتَمِلُهُ مِنْهَا ثُمَّ إذَا وُقِفَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي قَالَ: أَوْصَيْتُ بِأَنْ تُوَقَّفَ تِلْكَ الْأَرْضُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ كَذَا وَكَذَا خَتْمَةً عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَاَلَّذِي يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ أَنَّ الْقَارِئَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ إلَّا إنْ قَرَأَ مَا عُيِّنَ لَهُ وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مُغَلِّ الْأَرْضِ وَإِنَّ كَثُرَ وَزَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّ هَذَا كَالْجَعَالَةِ فَإِذَا أَتَى بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْجُعْلِ وَهُوَ مُغَلُّ الْأَرْضِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صَارَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ رَحِمًا لَا إرْثًا بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَإِنْ اسْتَوَى جَمَاعَةٌ فِي الْأَقْرَبِيَّةِ صُرِفَ إلَيْهِمْ بِحَسَبِ رُءُوسِهِمْ.
وَإِنْ قَالَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الْمُوصِي حَالَ الْوَصِيَّةِ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ قَدْرًا وَزَمَنًا عُمِلَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ وَنَزَلَ كَلَامُ الْمُوصَى عَلَيْهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَحِقُّ كُلُّ مَنْ قَرَأَ كَالْجَعَالَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ الْقُرَّاءِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لِلْقِرَاءَةِ حَدٌّ تَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ كُلُّ مَنْ قَرَأَ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ شَيْئًا يَسِيرًا فَيُعْطِيهِ النَّاظِرُ مَا يَرَاهُ لَائِقًا بِعَمَلِهِ وَالْوَقْفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ أَيْضًا فَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ الْقُرَّاءِ ثَمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ مُخَالَفَةً لِبَعْضِ مَا ذَكَرْتُهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ وَلَفْظُهُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُوقَفَ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَلَّةِ لَا غَيْرُ وَيَحْكُمُ الْعُرْفُ فِي غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ لِسَنَتِهَا فَمَنْ قَرَأَ جُزْءًا اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَمَنْ قَرَأَ أَكْثَرَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَرَأَ الْجَمِيعَ اسْتَحَقَّ غَلَّةَ ذَلِكَ الْعَامِ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةٌ بِالْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءًا إلَى مُدَّةِ كَذَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلَّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقَعَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً إذْ لَا آخِرَ لِذَلِكَ وَالِاسْتِحْقَاقُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخِرَ لَهُ فَيُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ وَفِيهَا إشْكَالٌ وَتَصْوِيرَاتٌ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي آخِرِ تَفْرِيعَاتِهَا وَهَذِهِ مُشْكِلَةٌ لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ وَقْفًا فَهُوَ أَقْرَبُ أَوْ وَصِيَّةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْغَرَائِبِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَجْهُولَةِ مَرْدُودٌ كَقِيَاسِهِ لَهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ قَبْلُ فَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ عَلَى قَبْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مِنْ الْقُرْآنِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ كَذَا عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيُصْرَفُ لِلْوَارِدِ فِي مَسْجِدٍ مَا فَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ فَمَا وَجْهُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ بُطْلَانُ الْوَقْفِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْ: لِإِبْهَامِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَيَتَعَذَّرُ الصَّرْفُ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِي مَقْصُودَ الْوَاقِفِ فَبَطَلَ وَظَاهِرٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَوْلُهُ عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْوَارِدَ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِوَصْفِهِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مُبْهَمًا مِنْ حَيْثُ انْبِهَامُ مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُطْلِقْهُ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِمَحَلٍّ مُبْهَمٍ فَلَزِمَ مِنْ انْبِهَامِ الْقَيْدِ انْبِهَامُ الْمُقَيَّدِ فَتَعَذَّرَ الصَّرْفُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَلًّى بِأَلْ فَيَعُمُّ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ كُلِّيَّةً فَكَأَنَّهُ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى وَارِدِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَوُرُودُ الشَّخْصِ لِكُلِّ مَسْجِدٍ الْمَشْرُوطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي تَقَرَّرَ مُحَالٌ.