أَحَدٌ مِنْ الْعُلْيَا فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِوَاءُ فَتَعَيَّنَ الْقِسْمَةُ بَيْنهمْ عَلَى السَّوَاءِ عَمَلًا بِمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِذَلِكَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ فِي كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ لِمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا؟ قُلْتُ: الْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّد قَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ، فَنَصِيبُهُ لَوَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ حَتَّى يَأْخُذَ الْفَرْعُ نَصِيبَ أَصْلِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَفُوزُ بِهِ حَيْثُ كَانَ فِي دَرَجَةِ أَصْلِهِ لِمَا قَرَّرَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ بِهَذَا الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِي الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَجْبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ وَمِنْهَا، وَمَنْ تَحْجُبُ الْعُلْيَا السُّفْلَى فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَجْبِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ، وَإِنَّ التَّرْتِيبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ لَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ فَإِذَا مَاتَ الْأَخِيرُ مِنْ طَبَقَةِ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَتْ لَمْ تَخْتَصَّ وَلَدَهُ بِنَصِيبِهِ.
وَإِنَّمَا تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى حَسْبِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي ظَاهِرٌ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَوْلَادِ أَمِينِ الدِّين فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ لَا تَأْخُذُ أَوْلَادُهُ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ مَاتَ آخِرًا بَلْ يَشْتَرِكُونَ هُمْ وَأَوْلَادُ أَحْمَدَ فِيمَا كَانَ بِيَدِهِمَا عَلَى حَسْبِ رُءُوسِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ الْآن لَا يَأْخُذُونَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ بِقَوْلِهِ: مَا ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِهِمْ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يُؤْتَ بِهِ إلَّا لِتَخْصِيصِ الْحَجْبِ الْمَذْكُورِ.
(خَاتِمَة) مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ يَرُدُّ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَمَا وَجَّهْتُ بِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ بِقَوْلِي نَعَمْ فِي قَوْلِ الْبَغَوِيِّ لَا يُشَارِكهُمْ أَوْلَادُ عَائِشَةَ رَدَّ قَوْلَ السُّبْكِيّ إلَخْ رَأَيْتُ شَيْخنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ قَدْ سَبَقَنِي إلَيْهِ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى ابْنَتِهِ سَارَةَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهَا رُزِقَتْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ وَابْنًا ثُمَّ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا بِنْتَانِ وَتَرَكَتَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا وَتَرَكَتْ ابْنًا وَبِنْتًا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَالْبِنْتُ وَتَرَكَا أَوْلَادًا فَهَلْ يَشْتَرِك أَوْلَادُ الْبِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَاتَتَا فِي حَيَاةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ الَّذِينَ عَاشَا بَعْدَهَا؟
فَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَهُمْ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مِنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ مُقَيِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُ الْوَاقِفِ غَالِبًا أَنْ لَا يَحْرِمَ أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إذْ لَا يُعْمَلُ بِغَرَضِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ شَرْطِهِ، وَقَدْ رُفِعَ إلَيَّ هَذَا السُّؤَالُ مَرَّةً أُخْرَى فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقِيلَ: قَدْ أَفْتَيْتَ مَرَّةً بِالتَّشْرِيكِ وِفَاقًا لِجَمَاعَةٍ فَقُلْتُ: إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ صَادِقٍ وَبِمَا أَفْتَيْتُ بِهِ مِنْ عَدَمِ التَّشْرِيكِ أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَالشَّيْخُ كَمَالُ سَلَّارٍ شَيْخُ النَّوَوِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ أَعْنِي السُّبْكِيّ وَقَعَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ بِالتَّشْرِيكِ تَبَعًا لِلْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي السُّبْكِيّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَلَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدنِي فِيهِ، بَلْ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا نِهَايَةُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ نَظَرِي اهـ.
كَلَامُ الشَّيْخِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَتْهُ عَقِبَ كَلَامِ السُّبْكِيّ مِمَّا مَرَّ بَسْطُهُ فَرَاجِعْهُ وَاعْتَنِ بِهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ كَثِيرٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَام الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يَكُونُ عَامًّا فِي الْأَخْذِ بِمَفْهُومِهِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ، وَوَجْهُ تَوَهُّمِ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِسِيَاقِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ جَعَلَ نَظَرَ وَقْفٍ لِابْنِهِ خِضْرٍ ثُمَّ لِإِخْوَتِهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ ابْنه خِضْرٍ الذُّكُورِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ خِضْرٌ وَأَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْوَاقِفِ وَبَقِيَ ابْنُ بِنْتِ خِضْرٍ وَبِنْتُ ابْنِ خِضْرٍ هَلْ تَدْخُلُ الْبِنْتُ وَتُشَارِكُ أَوْ لَا تَدْخُلُ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ؟ الْمَذْكُورِ
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُ الْبِنْتُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الذُّكُورُ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُسْتَمِرٌّ فِي كُلِّ بَطْنٍ وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَمَا جُعِلَ فِي الْأَوَّلِ يَجْرِي فِيمَا بَعْدَهُ اهـ.
، وَهَذَا التَّوَهُّمُ غَيْرُ