ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَحْيِي الدِّينِ وَأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي هِيَ صَدَاقٌ لِلزَّوْجَةِ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ مِلْكُ الصَّدَاقِ مُتَوَقِّفًا عِنْدَنَا عَلَى الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ الِاسْتِقْرَارُ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُقْطَعُ الْأَرْضَ بِلَا شَكٍّ وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا مُنِعَ مِنْهُ وَالتَّرَدُّدُ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَيْسَ الْمُقْطَعُ مَالِكًا لِأَرْضٍ وَلَا مَنْفَعَتِهَا، وَالصَّدَاقُ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ وَقَاسَ بَعْضُهُمْ إجَارَةَ الْإِقْطَاعِ عَلَى إجَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ هَذَا الْقِيَاسُ أَيْضًا، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْوَقْفِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: زَوَائِدُ الْوَقْفِ وَمَنَافِعُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ جَزَمَ بِذَلِكَ وَحَكَى قَوْلًا أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِقْطَاعُ كَالْوَقْفِ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُقْطَعَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إذَا صَحَّ لَزِمَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ عَنْهُ، فَالْإِقْطَاعُ إنَّمَا يُخْرِجُهُ الْإِمَامُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ فِيهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ إجَارَةُ الْوَقْفِ لِكَوْنِهِ وَقْفًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُؤَجِّرُهُ إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ نَاظِرًا أَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ مَنْ لَهُ ذَلِكَ شَرْعًا وَنَظِيرُهُ هُنَاكَ أَنَّ الْمُقْطَعَ لَا يُؤَجِّرُ الْإِقْطَاعَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مَقْطَعًا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِجَارَةِ جَازَ حِينَئِذٍ، وَإِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْوَقْفِ جَزْمًا وَالرَّقَبَةَ عَلَى قَوْلٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ بِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، فَالْمُقْطَعُ أَوْلَى أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْإِقْطَاعَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُقْطَعًا فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الرَّقَبَةَ جَزْمًا وَلَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْحِصْنِيُّ فِي الْمُرْشِدِ: وَلِلْمُقْطَعِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْأَرْضَ الَّتِي أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ فِي الْمُخْتَارِ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ إجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ وَالتَّصَرُّفُ كَيْفَ شَاءَ اهـ.
وَقَالَ الْعُثْمَانِيُّ الصَّفَدِيُّ: وَالْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ صِحَّتُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ الْجُنْدِيَّ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ قَالَ السُّبْكِيّ مَازِلْنَا نَسْمَعُ عَنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يَقُولُونَ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْإِقْطَاعِ
(فَأَجَابَ) جَلَى اللَّهُ عَنْ مِرْآةِ قُلُوبِنَا بِفَيْضِ مَدَدِهِ وَمَعْلُومَاتِهِ رِبْقَةَ الْإِشْكَالِ: الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّقِيَّ السُّبْكِيّ قَالَ: الْإِقْطَاعَاتُ الْمَعْرُوفَةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ السُّلْطَانِ لِلْجُنْدِ فِي أَرْضٍ عَامِرَةٍ تَسْتَغِلُّهَا وَتَكُونُ لَهُمْ فَوَائِدُهَا وَمَنَافِعُهَا مَا لَمْ يَنْزِعْهَا مِنْهُمْ أَوْ يَمُوتُوا لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، وَتَسْمِيَتُهُ إقْطَاعًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْإِقْطَاعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَوَاتِ، وَتَجْوِيزُهُ يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ وَإِلَى تَخْرِيجِ طَرِيقٍ فِقْهِيٍّ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمُقْطَعَ بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ وَالْفَوَائِدَ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَإِنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي اسْتِغْلَالِهَا وَإِيجَارِهَا ثُمَّ يَسْتَأْثِرُ بِمَا تَحَصَّلَ اقْتَضَى تَسْلِيطُ الْإِمَامِ عَلَى أَخْذِهِ قَبْلَ اسْتِئْثَارِهِ بِهِ، وَأَنَّهُ مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ.
وَعَلَى الْفَقِيهِ الْفِكْرُ فِيهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِقْطَاعَاتِ، بَلْ الرِّزَقِ الَّتِي يُطْلِقُهَا السُّلْطَانُ لِلْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ يَجْرِي فِيهَا هَذَا الْكَلَامُ وَمِنْ فَوَائِدِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى أَحَدٌ وَزَرَعَهَا هَلْ نَقُولُ يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَتُهَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا بِالْإِقْطَاعِ أَوْ الْإِطْلَاقُ مُجَرَّدُ الِاخْتِصَاصِ الْمُتَحَجِّرِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهَا وَالزَّارِعُ أَحَدُهُمْ؟ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْإِقْطَاعُ تَسْوِيغُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا لِمَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي إقْطَاعِ الْأَرْضِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا لَهُ مَا يُجَوِّزُهُ، وَأَمَّا أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ فَيُعَمِّرَهُ أَوْ يَجْعَلَ لَهُ غَلَّتَهُ مُدَّةً هَذَا مَعْنَى الْإِقْطَاعِ الَّذِي فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَذْكُرُوهُ اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَظُنُّ فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ الْمَذْكُورِ إذَا صَدَرَ فِي مَحِلِّهِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجْدَةِ قَدْرًا يَلِيقُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُجَازَفَةٍ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ قَالَ: ثُمَّ بِعَدَدِ هَذَا وَقَفْت عَلَى مُصَنَّفٍ قَدِيمٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا سَمَّاهُ كِتَابَ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ أَرَاضِي الْإِسْلَامِ وَتَصَرُّفِ الْإِمَامِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ الْجُنْدِيَّ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْر زِيَادَةٍ، قَالَ وَمَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدِيُّ عَلَى الزِّرَاعَةِ لَيْسَ بِخَرَاجٍ