بِالطُّرُقِ أَوْ أَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَإِمَّا أَنْ يُوضَعَ دَاخِلَ الْبَلَدِ، فَالْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ بِقِسْمَيْهِ قَاضِيَةٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُسَافِرِينَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ كَمَا قَرَّرُوهُ وَأَطَالُوا الْكَلَامَ فِيهِ بِمَا لَا غَرَضَ لَنَا فِي بَسْطِهِ، وَقَاضِيَةٌ أَيْضًا بِأَنَّ نَازِلَهُ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ شَيْءٌ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إلَى رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ فَلَمْ يَخُصَّ نَازِلَهُ بِوَصْفٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ أَوْ فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ أَوْ صُوفِيٌّ إلَى خَانِقَاهُ، وَالْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ فِي الثَّانِي قَاضِيَةٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِمَنْ يَأْتِي فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ تَفْسِيرُهُمْ لِلرِّبَاطِ بِأَنَّهُ الْمَكَانُ الْمُسَبَّلُ لِلْأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» ثَلَاثًا إشَارَةً إلَى نَحْوِ كَثْرَةِ الْخُطَا إلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَعُلِمَ مِنْ الْقَرِينَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَتَفْسِيرِهِمْ الْمَذْكُورَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي سَاكِنِهِ مِمَّا يَأْتِي مِنْ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ الْمُحْتَرِفِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سُكْنَاهَا، وَأَمَّا الْخَانْقَاهْ فَهِيَ دِيَارُ الصُّوفِيَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِتَفْسِيرِهِمْ لَهَا وَلِلرِّبَاطِ بِمَا ذُكِرَ يُعْلَمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَسَاوِيًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي.
فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُنْزَلِينَ بِهِمَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الصُّوفِيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَبِّدِينَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ مُعْرِضِينَ عَنْ الدُّنْيَا مَعَ الْعَدَالَةِ وَتَرْكِ الْحِرْفَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِنَحْوِ الْوِرَاقَةِ وَالْخِيَاطَةِ أَحْيَانًا فِي رِبَاطٍ لَا حَانُوتٍ وَلَا تَقْدَحُ قُدْرَةُ الْكَسْبِ وَلَا الْوَعْظُ وَالتَّدْرِيسُ وَلَا مِلْكُ نِصَابِ الزَّكَاةِ وَمَا لَا يَفِي بِخَرْجِهِ دُونَ الثَّرْوَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْعُرُوضِ الْكَثِيرَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا زِيُّ الْقَوْمِ وَمُسَاكَنَتُهُمْ دُونَ لُبْسِ مُرَقَّعَةٍ مِنْ شَيْخٍ اهـ.
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِتَسَاوِيهِمَا أَيْضًا قَوْلُ الْفَارِقِيِّ فِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ يَجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ الْإِقَامَةُ فِي الرُّبُطِ وَتَنَاوُلُ مَعْلُومِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَصَوِّفِ الْقُعُودُ فِي الْمَدَارِسِ وَأَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ اسْمُ التَّصَوُّفِ مَوْجُودٌ فِي الْمُتَفَقِّهَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ اهـ. وَيُوَافِقُهُ صَنِيعُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ قَاضٍ بِأَنَّ الرُّبُطَ تُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْسَامِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْمَدْرَسَةَ وَبُيُوتَهَا وَالْخَانِقَاهْ وَخَانَاتِ الطُّرُقِ وَأَطْرَافَ الْبِلَادِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا نَوْعٌ رَابِعٌ، وَيُوَافِقُهُ أَيْضًا عِبَارَةُ وَسِيطِ الْغَزَالِيِّ وَبَسِيطِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُولَى: لَوْ طَالَ مُقَامُ سَاكِنِ الْمَدْرَسَةِ أُزْعِجَ بَعْدَ تَمَامِ غَرَضِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَرَضِ مَرَدٌّ كَرِبَاطِ الصُّوفِيَّةِ فَفِي إزْعَاجِهِ وَجْهَانِ، وَأَشَارَ فِي الثَّانِي إلَى أَنَّ الرَّاجِحَ غَيْرُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ: يُفَوَّضُ الْأَمْرُ فِي الْخَوَانِقِ لِلْوَالِي لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إخْرَاجِ وَاحِدٍ فَلَهُ ذَلِكَ اهـ.
فَجَعَلَ رِبَاطَ الصُّوفِيَّةِ هُوَ الْخَانْقَاهْ فَحِينَئِذٍ كَلَامُ الْفَارِقِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ مُصَرِّحٌ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ وَضْعَ الْمَدَارِسِ وَبُيُوتِهَا لِلْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَوَضْعَ الرُّبُطِ الَّتِي دَاخِلَ الْبُلْدَانِ لِلصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا وَلَا مُتَفَقِّهًا وَلَا مُتَصَوِّفًا وَلَا تَابِعًا لِأَحَدِهِمَا صُوفِيًّا وَلَا كَالْبَوَّابِ وَالْخَادِمِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي سُكْنَى بُيُوتِ مَدْرَسَةٍ وَلَا رِبَاطٍ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِهَا فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَمِمَّا قَرَّرْته أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُحْتَرِفَ فِي حَانُوتِهِ وَمَنْ لَا يُعَدُّ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَلَا مِنْ الصُّوفِيَّةِ لَا حَقَّ لَهُ فِي سُكْنَى بُيُوتِ مَدْرَسَةٍ وَلَا رِبَاطٍ وَأَنَّ تَقْرِيرَهُ فِي أَحَدِهِمَا لَغْوٌ، سَوَاءٌ أَحَكَمَ بِهِ شَافِعِيٌّ أَمْ لَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ: وَالْمَحِلُّ الْمَبْنِيُّ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ كَالْمَدْرَسَةِ أَيْ: فَيُشْتَرَطُ فِي نَازِلِهِ مَا يُشْتَرَطُ نَحْوُهُ فِي نَازِلِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) فِي أَرْضٍ مُتَحَاذِيَةٍ بَعْضُهَا بِجَنْبِ بَعْضٍ وَعُرُوقُ شَجَرِ كُلِّ مَالِكٍ لِهَذِهِ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَةِ مُتَّصِلَةٌ بِأَرْضِ الْآخَرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا إلَّا بِالْإِتْلَافِ مَثَلًا فَأَرَادَ بَعْضُ الْمُلَّاكِ أَنْ يَحْفِرَ فِي مِلْكِهِ حَفْرًا عَمِيقًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ لِيَقْطَعَ بِهِ عُرُوقَ شَجَرِ جَارِهِ فَهَلْ لِلْجَارِ مَنْعُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْعُرُوقَ مَاتَ الْأَصْلُ؟ وَالْحَالُ أَنَّ عَادَةَ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إذَا كَانَ مَالِكُ الْأَرْضِ يَتَضَرَّرُ بِعُرُوقِ شَجَرِ الْجَارِ فِي أَرْضِهِ وَأَرَادَ مَالِكُ الْأَرْضِ إزَالَتَهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ مَنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي مَصْلَحَتِهِ مَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِعَادَتِهِمْ وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ عَلَى إزَالَةِ عُرُوقِهَا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ إنْ لَمْ