شَيْئًا فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ إلَّا الْبَوَّابُونَ الْمُقَرَّرُونَ وَالنُّوَّابُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ أَوْ يُقَسَّمُ الْمَبْلَغُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُمْ أَوْ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنْ تَعَلَّقَ بِسَدِّ الْوَظِيفَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي نَحْوِ الْبِوَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِنَابَةِ أَوْ لَا عُذْرَ مُقْتَضٍ لِجَوَازِهَا فَالْمَعْلُومُ كُلُّهُ لِلنَّائِبِ وَإِلَّا فَلِلْأَصْلِ مَا لَمْ يُعَلَّقْ الِاسْتِحْقَاقُ بِالتَّوْلِيَةِ وَالسَّدِّ لِلْوَظِيفَةِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - فِي مَدْرَسَةٍ جَعَلَ وَاقِفُهَا لَهَا أَرْبَعَةَ مُدَرِّسِينَ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَحُضُورًا وَجَعَلَ بِإِزَائِهَا خَلَاوِي يُسَمَّى مَجْمُوعُهَا فِي الْعُرْفِ رِبَاطًا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهَا عَنْ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ مَثَلًا بَلْ يُقَالُ خَلْوَةٌ بِمَدْرَسَةِ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يُعْلَمْ لِوَاقِفِهَا شَرْطٌ فِي سُكَّانِ تِلْكَ الْخَلَاوِي مَثَلًا وَإِنَّمَا جَرَتْ عَادَةُ تِلْكَ الْبَلَدِ بِأَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِمْ تَفَقُّهٌ مَثَلًا بَلْ وَلَا تَصَوُّفٌ فَهَلْ إذَا قَرَّرَ نَاظِرُهَا إنْسَانًا مُحْتَرِفًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَعَ كَوْنِهِ عَارِيًّا عَنْ التَّفَقُّهِ مُشْتَغِلًا بِحِرْفَتِهِ عَنْ الْإِقَامَةِ بِتِلْكَ الْخَلْوَةِ. وَثَبَتَ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ عَلَى يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِهِ يُنَفَّذُ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ أَوْ لَا؟

اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَذْهَانِ مُتَشَبِّثُونَ فِيهِ بِمَا اسْتَحْسَنُوهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْنِدُوهُ إلَى قَاعِدَةٍ أَوْ كِتَابٍ، وَإِنَّمَا يُسْنِدُوهُ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا

(أَجَابَ) فَقَالَ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ هِيَ أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ أَنْ يُنْظَرَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلَى الْغَرَضِ الَّذِي بُنِيَ لَهُ ذَلِكَ الْمَحَلُّ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ الْغَرَضُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فَمَا قَضَتْ بِهِ تِلْكَ الْقَرَائِنُ الْمُطَّرِدَةُ اُتُّبِعَ، سَوَاءٌ أَوَافَقَ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَمْ لَا، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْغَرَضُ مِنْ وَضْعِ بُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ أَنَّهَا تَكُونُ سَكَنًا لِلْمُشْتَغِلِينَ بِالدَّرْسِ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ بَحَثَ فِي الرَّوْضَةِ مَا حَاصِلُهُ وَتَبِعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيِّ وَالنَّشَائِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُمْنَعُ حَيْثُ لَا شَرْطَ لِلْوَاقِفِ غَيْرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ سُكْنَى بُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ، سَوَاءٌ وَافَقَ ذَلِكَ عُرْفَ الْبَلَدِ أَوْ خَالَفَهُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ إذَا خَالَفَهُ، زَادَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ عُرْفِ زَمَنِ الْوَاقِفِ وَمَا بَعْدَهُ وَأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَقَوْلُ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ غَلَطٌ إذَا وُقِفَتْ الْمَدْرَسَةُ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ هُوَ الْغَلَطُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ كَمَا عَرَفْت حَيْثُ لَا شَرْطَ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطٌ، وَيُوَجَّهُ عَدَمُ نَظَرِهِمْ لِلْعُرْفِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِهِ كَشَرْطِهِ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ الْوَضْعِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ لَا تَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ تَغَيُّرًا كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَضْعَ الْمَدْرَسَةِ قَاضٍ بِأَنَّ بُيُوتَهَا خَاصَّةٌ بِمَنْ قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُمْ، سَوَاءٌ اقْتَضَى عُرْفُ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ ذَلِكَ أَمْ لَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَقَدْ أَلْغَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ شَرْطَ الْوَاقِفِ فِي مَسَائِلَ لِكَوْنِهِ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَأَوْلَى هُنَا أَنْ تُقَدَّمَ تِلْكَ الْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ عَلَى الْعُرْفِ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْبُيُوتُ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا، سَوَاءٌ أَسُمِّيَتْ مَعَ ذَلِكَ رِبَاطًا لِتِلْكَ الْمَدْرَسَةِ أَمْ بُيُوتًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى نِسْبَتِهَا لَهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَالَيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْوَضْعُ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ وَضْعَ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ بِإِزَاءِ تِلْكَ الْبُيُوتِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ سُكْنَى مَنْ يَشْتَغِلُ فِي تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ فَاشْتُرِطَ فِي سَكَنِهَا مَا مَرَّ وَلَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْبُيُوتِ الَّتِي هِيَ دَاخِلُهَا، بَلْ يَشْمَلُ مَا فِيهَا وَمَا خَرَجَ عَنْهَا مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ، وَأَمَّا الرِّبَاطُ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا، وَالْمُحَكَّمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا هُنَا، وَوَجْهُ انْحِصَارِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُوضَعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015