عَنْ الْمَجْمُوعِ.
وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ فِي الْأَمْرِ الْخَامِسِ وَهُوَ إخْبَارُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ بَلْ الْحُجَّةُ فِيهِ لَنَا وَمِنْهَا: قَوْلُهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْسِيعَ إلَخْ وَهُوَ كَلَامٌ كَمَا تَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَعُودُ بِالْبُطْلَانِ عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الطُّهْرِ قِيَاسًا عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الذَّكَاةِ وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ السَّادِسِ وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ السَّابِعِ وَهُوَ إخْبَارُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ بَلْ الْحُجَّةُ فِيهِ لَنَا أَيْضًا وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ فِي الثَّامِنِ مِنْ رَدِّ قِيَاسِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُصِبْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَلْ إنْ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ قُبِلَ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَإِنْ أَخْبَرَ لَا عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِمَا وَفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَهُمَا مُجَرَّدُ خَيَالٍ لَا أَثَرَ لَهُ
وَإِنَّمَا اكْتَفَوْا بِإِمْكَانِ طُهْرِ فَمِ الْهِرَّةِ فِي عَدَمِ تَنَجُّسِ مَا وَلَغَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ وَإِنْ حَكَمْنَا بِبَقَاءِ نَجَاسَةِ فَمِ الْهِرَّةِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْيَقِينِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَارَضَا نَجَاسَةَ فَمِهَا بِالِاسْتِصْحَابِ، وَطَهَارَةَ الْمَاءِ بِالْيَقِينِ فَحَكَمْنَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِبَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ نَحْكُمْ بِأَنَّ الْأَضْعَفَ وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ يُنَجِّسُ الْأَقْوَى وَهُوَ تَيَقُّنُ الطَّهَارَةِ عَلَى أَنَّ قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ أَنَّ الثَّوْبَ حَيْثُ غَابَ عَنَّا، وَأَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ لَا يُنَجِّسُ مَا وَقَعَ فِيهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَائِهِ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَمِ الْهِرَّةِ وَالثَّوْبِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنْ أَمْكَنَ طُهْرُهُ فِي الْغَيْبَةِ لَمْ يُنَجِّسْ مَا وَقَعَ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ إخْبَارُ الْفَاسِقِ بَلْ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ وَلَوْ بِوُقُوعِهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَنَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَيُنَجِّسُ مَا وَقَعَ فِيهِ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَوَّلُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ إلَخْ جَوَابُهُ إنَّمَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِالْفَاسِقِ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إخْبَارُهُ عَنْ طَهَارَتِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَقْبُولٌ كَمَا مَرَّ. وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ التَّاسِعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ لِلْحَاجَةِ وَجَرَيَانِ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي صِحَّةِ مُعَامَلَتِهِ لِأَنَّ يَدَهُ قَرِينَةٌ شَرْعِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا فِيهَا مِلْكٌ لَهُ أَوْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، فَاكْتَفَيْنَا فِي جَوَازِ مُعَامَلَتِهِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي غَسَّلَهُ كَانَ فَاسِقًا أَمْ لَا؟ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا بَانَ أَنَّ الَّذِي غَسَّلَهُ فَاسِقٌ وَقَعَ الْمَوْقِعَ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ قَالَ الْفَاسِقُ: هَذَا الْمَيِّتُ غُسِّلَ أَوْ أَنَا غَسَّلْت هَذَا الْمَيِّتَ فَيُقْبَلُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ دَلَالَةً لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ إزَالَتَهَا بِغَسْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْحَيِّ وَلَا فِي الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا سَكَتَ النَّوَوِيُّ عَنْ الِاسْتِدْرَاكِ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْغُسْلُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَيِّتَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرُ وَيُرَدُّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ الْحَيُّ هُوَ الَّذِي يُحْتَاطُ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا لِمُبَاشَرَتِهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا اكْتَفَوْا فِيهِ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ ذَلِكَ وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا بِإِزَالَتِهَا فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مِثْلَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْهُ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ الْفَتَى لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ طَهُرَ بَلْ بِأَنَّهُ طَهَّرَهُ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِقَبُولِ خَبَرِهِ حِينَئِذٍ.
وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ مِنْ جَمِيعِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الْإِطْلَاقُ الَّذِي زَعَمَهُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ لِأَنَّ جَمِيعَهُ إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَيْسَ بِإِخْبَارٍ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِعَدَمِ الْقَبُولِ حِينَئِذٍ فَظَهَرَ بِجَمِيعِ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ التَّفْصِيلُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ عَادَةً كَذِبُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ إخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِيهِ ذَلِكَ فَقَبِلْنَا الْأَوَّلَ مِنْهُ عَمَلًا بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ الَّتِي أَبْعَدَتْ احْتِمَالَ كَذِبِهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا لَوْ سَقَطَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَيْتَةٌ نَحْوَ ذُبَابٍ، فَصَبَّ شَخْصٌ هَذَا الْمَاءَ وَهِيَ فِيهِ فِي مَاءٍ آخَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهَلْ هُوَ مِثْلُ مَا لَوْ أَوْقَعَ مَيْتَةً فِي الْمَاءِ أَمْ لَا؟ وَعَمَّا لَوْ خَلَطَ زَبَادًا فِيهِ شَعْرَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ بِزَبَادٍ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَوْ لَا شَيْءَ فِيهِ فَهَلْ يُنَجِّسَانِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ أَمَّا الْأُولَى: فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِيهَا أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ مَيْتَةً فِي الْمَاءِ فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءَانِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِ شَعْرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ فَعَلَيْهِ يُنَجَّسُ الزَّبَادَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي خَالَطَهُ شَيْءٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ