وَالْحَنُوطِ مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى قُبُلِ الْمَيِّتِ وَدُبُرِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ عَلَى الرَّاجِح كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، فَقَبُولُ قَوْلِهِ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ مَعَ وُجُودِ أَثَرِ الْغُسْلِ عَلَيْهِ أَوْلَى.
الْأَمْرُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ الشَّيْخَ نُورَ الدِّينِ السَّمْهُودِيَّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ شَرَفِ الدِّينِ يَحْيَى الْمُنَاوِيِّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَبِي زُرْعَةَ وَلِيِّ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) أَنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ لَهُ ثَوْبٌ يَأْمُرُ فَتَاهُ بِتَطْهِيرِهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَالَةَ التَّطْهِيرِ فَإِذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَهَّرَهُ لَبِسَهُ وَحَالُ الْفَتَيَانِ لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَجَابَ الثَّالِثُ فَقَالَ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الثَّوْبَ طَهُرَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَهَّرَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَوْ أَنَا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ وَكَمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ غُسِّلَ فَلَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ غَسَّلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ وَكَمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلِ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَظَهَرَ لَنَا مِنْ جَوَابِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ قَبُولُ قَوْلِ الْفَاسِقِ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ. فَهَلْ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ؟ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْمُنَاوِيُّ أَنَّ الْفَاسِقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَسَائِلَ لَا تَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ الْمُطَّلِعِ عَلَى كُتُبِ الْأَئِمَّةِ وَفَتَاوِيهِمْ فَلَعَلَّ مَسْأَلَتَنَا أَنْ تَكُونَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِجَوَابٍ شَافٍ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - الْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ وَهُوَ الثَّالِثُ وَمِنْ ثَمَّ جَرَيْت عَلَى التَّفْصِيلِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتِي مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ (وَخَرَجَ بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ الصَّبِيُّ) وَلَوْ مُرَاهِقًا نَعَمْ تَصِحُّ رِوَايَةُ الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ كُلُّ مَا سَمِعَهُ فِي صِبَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَيْهِ لَوْ أَخْبَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَمَّا شَاهَدَهُ فِي صِبَاهُ مِنْ تَنَجُّسِ إنَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا قُبِلَ، وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَيْضًا
وَأَمَّا الْفَاسِقُ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْهُولُ فَلَا تُقْبَلُ أَخْبَارُهُمْ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى - كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ - الِاحْتِيَاطَ بِاجْتِنَابِ مَا أَخْبَرَ الْمُمَيِّزُ بِتَنَجُّسِهِ سِيَّمَا إنْ جُرِّبَ بِالصِّدْقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ نَحْوُ فَاسِقٍ جُرِّبَ صِدْقُهُ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ يُوَرِّثُ شُبْهَةَ مَنْ أَخْبَرَ مِنْهُمْ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ قُبِلَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ: أَنَا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ وَكَمَا يُخْبِرُ الذِّمِّيُّ عَنْ شَاتِهِ أَنَّهُ ذَكَّاهَا وَكَإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِهِ بِالْأَوْلَى إخْبَارُهُ الْمُتَوَاتِرُ إذْ الْقَبُولُ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ إفَادَتُهُ الْعِلْمَ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارُ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ نَحْوِ الْفَاسِقِ مِمَّنْ ذُكِرَ: طَهَّرْت الثَّوْبَ مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَهُرَ وَبِهِ أَفْتَى الْمُنَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ صَدْرُ كَلَامِهِ صَرِيحٌ فِي اعْتِمَادِ قَوْلِهِ مُطْلَقًا، وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إخْبَارِهِ بِالنَّجَاسَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ خُرُوجٍ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَبِالْمَشَقَّةِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْغَسَّالِينَ مَعَ فِسْقِهِمْ وَحَيْثُ قُبِلَ إخْبَارُهُ بِالطَّهَارَةِ بِأَنْ يَقُولَ: طَهَّرْته فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ مَدْلُولَهَا عِنْدَ الْمُخْبِرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: غَمَسْته فِي الْمَاءِ وَهُوَ مِمَّا يَطْهُرُ بِالْغَمْسِ.
وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ بَحْثٌ مِنْ عِنْدِهِ اسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَمْ يَعُدُّوا هَذِهِ مِنْهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا عَنْ عَدِّهَا لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى مَا ذَكَرُوهُ وَمِنْ قَبُولِ خَبَرِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ غُسِّلَ وَطُهِّرَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: غَسَّلْته أَوْ طَهَّرْته.
وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي الْأَذَانِ (يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَالْغُرُوبِ لَا النَّقْلُ كَالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْمُعْتَمَدُ) بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: (الصَّوَابُ مَا فِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) وَفِي غَيْرِهِ عَنْ عَدَمِ قَبُولِ خَبَرِهِ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا رَأَى وَفِي نَحْوِ قَوْلِهِ فِي هَدِيَّةٍ وَدُخُولِ دَارٍ وَإِجَابَةِ صَاحِبِ وَلِيمَةٍ اهـ.
كَلَامُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ الثَّالِثُ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأَمْرِ الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ فِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ لِبَعْضِهَا: مِنْهَا قَوْلُهُ هُوَ الْأَفْسَحُ لِلنَّاسِ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُنَاوِيُّ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا إنْ قَالَ: طَهَّرْته إذْ الْأَفْسَحُ لِلنَّاسِ إنَّمَا هُوَ الْقَبُولُ حِينَئِذٍ لَا مُطْلَقًا وَمِنْهَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي قَبُولِهِ فِي الذَّكَاةِ، وَإِطْلَاقُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: ذَكَّيْتهَا كَمَا قَدَّمْته فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: لَوْ أَخْبَرَ الْفَاسِقُ بِعَدَمِ الْمَاءِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ، وَخَبَرُ الْفَاسِقِ لَا يَصِلُ لِظَنِّ الْعَدَمِ إلَّا إنْ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ هُنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِوُجُوبِ الطَّلَبِ، وَإِنْ ظَنَّ الْعَدَمَ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّابِعِ