الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَصُورَةُ مَا سُئِلَ عَنْهُ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمَكَّةَ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٍ وَطَرِيقُ الْبِيَعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَحُكْمُ الْمَاءِ قَدْ سَبَقَ اهـ فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا وَجْهُهُ وَلَوْ أَنَّ مُفْتِيًا قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ فَهَلْ لَهُ وَجْهٌ مَعَ أَنَّ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ فِي سُؤَالِهِ لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ عَلَى الصُّبْرَةِ.

فَأَجَابَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ بِمَا صُورَتُهُ إفْرَادُ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ مَثَلًا أَوْ سَهْمًا مِنْهُ فَإِذَا مَلَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِ الْمَوْجُودِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَقَوْلُهُمْ مَثَلًا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ فِي الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ فِي صُورَتِهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَا يُنَافِي عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا قَوْلُهُ مِنْ قَرَارٍ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ. وَكَوْن مِنْ قَرَارٍ ظَرْفًا لَغْوًا وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَهُوَ.

وَإِنْ أَمْكَنَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي بَعِيدٌ جِدًّا يَنْبُو عَنْهُ اللَّفْظُ لَا سِيَّمَا وَصْفَ الْحِصَّةِ بِالسَّقِيَّةِ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ لَا الْجُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِسَاعَتَيْنِ وَعَلَى تَسْلِيمِ إرَادَةِ ذَلِكَ وَقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ عَادَةً فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرِ مَرْئِيٍّ بَلْ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ فِي زَمَنِهِ فِي سُؤَالِهِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ

وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِاَلَّذِي فِيهِ

وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِيمَا ظَهَرَ لِي اهـ جَوَابُ هَذَا الْمَكِّيِّ فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَمَا وَجْهُ فَسَادِهِ مُبَيَّنًا مَبْسُوطًا لَيَعْظُمَ النَّفْعُ بِذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ هَذَا الْجَوَابُ اشْتَمَلَ عَلَى وُجُوهٍ مِنْ الْفَسَادِ وَالْمَيْلِ إلَى دَاعِيَةِ التَّهَوُّرِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْعِنَادِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْمُجِيبِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْقَرَارَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ هَذَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْقَرَارِ هُنَا بِأَنَّهُ يُشْتَرَى وَفِيمَا يَأْتِي زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلَعَلَّ الْمُوقِعَ لَهُ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا يَخْفَى فَسَادُهُ عَلَى صِغَارِ الْمُتَعَلِّمِينَ فَسَادُ النِّيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مُطْلَقِ الْقَرَارِ وَفِيمَا يَأْتِي عَلَى قَرَارِ عُيُونِ مَكَّةَ قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَارِ مَمْلُوكٌ إلَّا قَرَارَ عُيُونِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ كَانَ ذَلِكَ أَقْبَحَ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّهُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ بِلَا مُسْتَنَدٍ لَهَا بَلْ كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي رَدِّهَا وَأَنَّ الْقَرَارَ تَارَةً يَكُونُ مَمْلُوكًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُيُونِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ مَا يَشْمَلُ قَرَارَ عُيُونِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ.

وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا كَانَ كَلَامُهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَشْمَلُ عُيُونَ مَكَّةَ جَاءَ التَّنَاقُضُ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا التَّنَاقُضِ غَيْرُ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَحَصَّلْ فِي الْقَرَارِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ تَنَاقُضٍ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْن الْمُتَنَاقِضَاتِ تَكَلَّمَ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَبَدَا لَهُ أَوَّلَ الْجَوَابِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُشْتَرَى وَأَنَّهُ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الْحِيلَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ ثُمَّ بَدَا لَهُ آخِرَ الْجَوَابِ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَمَنْ هَذَا حَالُهُ يَنْبَغِي الْإِعْرَاضُ عَنْ كَلَامِهِ لَوْلَا مَا وَجَبَ مِنْ بَيَانِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبَاطِيلِ الَّتِي سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَةً بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ عُيُونَ مَكَّةَ مَمْلُوكَةٌ عِنْدَ زَعْمِهِ عَدَمَ مِلْكِهَا.

وَقَوْلُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015