حُقُوقِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرُّهَا وَمَمَرُّهَا وَشُعُوبُهَا وَذُيُولُهَا وَمَجَارِي مَائِهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِثَمَنٍ جُمْلَتُهُ كَذَا وَثَبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْحَاكِمِ الْآذِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ فَهَلْ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ نَقْضٌ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا وَهَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْد أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ بِإِفْتَاءِ عَالِمٍ مِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَمْ يُحْمَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَلَى السَّدَادِ مَا أَمْكَنَ.
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَبِيعُ الْمَذْكُورُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ أَوْ لَمْ يُرِيدَاهُ لَكِنَّهُ عَرَّفَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَنَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيح وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا هُنَا فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ رَدًّا عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لَمَّا خَالَفَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَقْضَى لِلضَّرُورَةِ إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْغَيْرِ لَا يُنْقَضُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَعِبَارَتُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ الصِّحَّةُ مَصُونَةٌ عَنْ النَّقْضِ كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةَ صِيغَتِهِ وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ.
وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَسْتَدْعِي الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ انْتَهَتْ وَاعْتَمَدَهَا الْكَمَالُ السُّيُوطِيّ فِي جَوَاهِرِهِ وَالتَّنْظِيرُ فِيهَا إنْ سُلِّمَ لَيْسَ لِمَا يَرْجِعُ لِرَدِّ مَا قَالَهُ مِنْ تَضْمِينِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الصِّيغَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِيهَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ إنْ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ صَحَّ الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَسَدَ لِفَقْدِهِ فَفَاسِدٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ فَالْحُكْمَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيْنهمَا فَرْقًا فَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطُلِبَ مِنْهُ فَصْلُهَا. حُكِمَ مِنْهُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةً لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَاتٍ مِنْهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَإِذْنُهُ فَفِيهَا قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَكُلَّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ إذْ الْمَعْنَى مَعَهُ الَّتِي قَدْرُهَا قِيرَاطَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا.
وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَخَيَّلُ فَقِيهٌ الْبُطْلَانَ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذْ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا أَرَادَهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِنَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِنَظِيرِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ وَأَنَّ دَعْوَى الصِّحَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَعْوَى الْفَسَادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ يُؤَيِّدَانِ مَا حَمْلنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَإِذَا تَعَارَضَ حُكْمٌ وَإِفْتَاءٌ فَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ عُلِمَ حُكْمُهَا فِي الْمَذْهَبِ قُدِّمَ مُوَافِقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَادِثَةٍ مُوَلَّدَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَصُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ لِلْبُلْقِينِيِّ فِيهَا سَلَفًا وَلَا خَلْفًا مُوَافِقًا وَلَا مُخَالِفًا فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَالِاسْتِنْبَاطِ لَمْ يُنْقَدْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِإِفْتَاءِ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَعْلَمَ وَإِنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَحْدَهُ تَعَيَّنَ عَلَى الْحَاكِمِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِلَّا تَأَتَّى فِي نَقْضِهِ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ عَنْ سُؤَالِهِ صُورَتُهُ رَجُلٌ اشْتَرَى جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنٍ كَذَا بِمَرِّ الظُّهْرَانِ مِنْ أَعْمَالِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا أَمْ لَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ