سَبَبٍ فِيهِ كَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَصْلِ بَلْ وُجِدَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ، نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْقِطْعَةِ اللَّحْمِ الْمَذْكُورَةِ قُلْتُ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي طَعْمِ اللَّحْمِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ أَكْلِهَا وَعَدَمِهِ كَمَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِ بِفَرْضِ الْحُكْمِ فِي حِلِّ الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّجَاسَةِ فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ مُخْتَصَرِي الرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ التَّفْصِيلِ فِي الْقِطْعَةِ اللَّحْمِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ أَمَّا لَوْ أَصَابَتْ شَيْئًا فَلَا تُنَجِّسُهُ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ حِلِّ الْأَكْلِ وَحُرْمَتِهِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ؟ قُلْتُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّحْمِ حَالَ اتِّصَالِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ حُرْمَةُ أَكْلِهِ؛ فَعَمِلْنَا فِيهِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ حَتَّى يُوجَدَ سَبَبٌ قَوِيٌّ يَقْتَضِي حِلَّهُ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي إنَاءٍ وَمَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَغْلَبُ.

وَالْأَصْلُ فِي نَحْوِ الشَّعْرِ وَالْعَظْمِ حَالَ اتِّصَالِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ الطَّهَارَةُ فَعَمِلْنَا بِهَا فِيهِ حَتَّى يُوجَدَ سَبَبٌ قَوِيٌّ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهِ؛ فَأَبْقَيْنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ وَلَمْ نَنْظُرْ إلَى أَنَّ مَا يُوجَدُ مِنْهُمَا مَرْمِيًّا مَثَلًا الْغَالِبُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ مَيْتَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغَالِبَ ذَلِكَ فَظَهَرَ فَرْقَانِ: مَا بَيْنَ حِلِّ الْأَكْلِ وَحُرْمَتِهِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْك بَعْدَ ذَلِكَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى. وَمَا قُلْنَاهُ فِي قِطْعَةِ اللَّحْمِ يَأْتِي حَرْفًا بِحَرْفٍ فِيمَا قَالُوهُ فِي صَيْدٍ جَرَحَهُ فَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا وَبِهَذَا الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْته هُنَا اتَّضَحَ قَوْلِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّفْصِيلِ فِي قِطْعَةِ اللَّحْمِ: وَهَلْ نَحْوُ الْجِلْدِ وَالشَّعْرِ وَالْعِظَامِ الْمُلْقَاةِ فِي الشَّوَارِعِ كَاللَّحْمِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ أَوْ هِيَ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا؟ لِأَنَّ كَوْنَ قِطْعَةِ اللَّحْمِ مَرْمِيَّةً بِلَا إنَاءٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا مَيْتَةٌ بِخِلَافِ هَذِهِ، الظَّاهِرُ الثَّانِي اهـ. وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ - حَفِظَهُ اللَّهُ - وَنَحْنُ نَجِدُهُمْ يَأْتُونَ بِالسَّمْنِ. . . إلَخْ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ؛ الْمَعْلُومُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ أَيْضًا وَأَنَّ الْقَوْلَ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْته عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ نَحْوِ الشَّعْرِ وَنَحْوِ الْعَظْمِ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الشَّعْرَ وَالْوَبَرَ وَالصُّوفَ وَالرِّيشَ مِنْ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ، وَالْعَظْمُ وَالْقَرْنُ وَالسِّنُّ وَالظُّفْرُ نَجِسَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّ هَذِهِ نَجِسَةٌ لَكِنَّهَا تَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ لِمَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ الْحَيَاةَ تُحِلُّ الْجَمِيعَ بِمَا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ. وَعَلَى التَّنَزُّلِ وَالْقَوْلِ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ نَحْوَ الْعَظْمِ نَجَسٌ مَا لَمْ يُعْلَمَ أَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ مُذَكَّاةٍ فَلَا نَقُولُ بِنَجَاسَةِ السَّمْنِ وَالزَّبَادِ وَوِعَائِهِمَا وَأَنْصِبَةِ الشِّفَارِ وَلِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ مُذَكًّى وَمَا هُوَ مِنْ غَيْرِهِ.

وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ أَوْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّيَاتِهِ أَخَذَ مِنْهُمَا مَا شَاءَ بِلَا اجْتِهَادٍ إلَّا وَاحِدًا، وَذِكْرُ الْإِنَاءِ مِثَالٌ فَلَوْ اشْتَبَهَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ أَخَذَ مَا عَدَا الْعَدَدِ الْمُشْتَبَهِ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا: قَدْ اشْتَبَهَ أَعْيَانٌ نَجِسَةٌ بِأَعْيَانٍ طَاهِرَةٍ فَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهَا بِلَا اجْتِهَادٍ وَلَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ بَعْضِهَا عَلَى التَّعْيِينِ. وَقَدْ نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ بَالَغَ فِي ذَمِّ مَنْ يَغْسِلُ فَاهُ بَعْدَ أَكْلِ الْخُبْزِ زَاعِمًا أَنَّ الْحِنْطَةَ تُدَاسُ بِالْبَقَرِ وَهِيَ تَبُولُ وَتَرُوثُ عَلَيْهَا أَيَّامًا طَوِيلَةٍ، وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ قَالَ: (وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ الْقَمْحِ الْمُتَنَجِّسِ بِذَلِكَ قَلِيلٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَمْحِ السَّالِمِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَقَدْ اشْتَبَهَ إذًا وَاخْتَلَطَ قَمْحٌ قَلِيلٌ مُتَنَجِّسٌ بِقَمْحٍ طَاهِرٍ وَلَا يَنْحَصِرُ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ التَّنَاوُلُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءٍ لَا يَنْحَصِرْنَ؛ فَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ وَهَذَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ) اهـ. هـ. وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْته وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّ بَوْلَ الْبَقَرِ عَلَى الْحِنْطَةِ مَثَلًا وَهِيَ تَدُوسُهَا لَا يُعْفَى عَنْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - عَنْ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ الْمَنْصُوصِ عَلَى طَهَارَتِهَا هَلْ تَشْمَلُ الرُّطُوبَةَ الْوَاقِعَةَ حَالَ الْجِمَاعِ الَّتِي قَدْ تَخْرُجُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - حَشَرَنِي اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِ - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ رُطُوبَةَ فَرْجِ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ طَاهِرَةٌ إنْ كَانَتْ فِي الظَّاهِرِ، وَهِيَ مَا يُوجَدُ عِنْدَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي طَهَارَةِ هَذِهِ بَيْنَ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ بِخِلَافِ رُطُوبَةِ الْبَاطِنِ الَّذِي وَرَاءَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا إلَّا إنْ انْفَصَلَتْ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوْفِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ حَتَّى يَنْفَصِلَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015