سَلْبَ الطَّهُورِيَّةِ فِيهَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الرَّوْضَةِ (أَنَّ الْمَاءَ إذَا جَرَى مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوٍ آخَرَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا) فَكَيْفَ يُصَوِّبُ خِلَافَ ذَلِكَ الْمُوَافِقِ لِلْوَجْهِ الشَّاذِّ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا، وَبِسَبْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ بَيَانِ عَدَمِ صِحَّةِ تَأَتِّي كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهَا (بِأَنَّ فَسَادَ عِبَارَتِهِ هَذِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَبَعْدَ أَنْ تَتَأَمَّلَ ذَلِكَ كُلَّهُ يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ قَوْلِ السَّائِلِ فَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ. .. إلَخْ.

وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ فَهُوَ فِي الِاغْتِرَافِ، وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ لَيْسَ فِيهِ اغْتِرَافٌ وَانْدِفَاعُ قَوْلِهِ أَعْنِي السَّائِلَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ. .. إلَخْ. وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا أَيْضًا أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ يَشْمَلُ الِاغْتِرَافَ بِإِحْدَى الْيَدَيْنِ وَالصَّبَّ عَلَيْهِمَا لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْأُخْرَى، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ يَظْهَرْ لَك الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - أَيُّمَا أَفْضَلُ الْأَنْهَارِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نِيلُ مِصْرَ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " نِيلُ مِصْرَ سَيِّدُ الْأَنْهَارِ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ نَهْرٍ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ".

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا أَفْضَلُ مَاءُ زَمْزَمَ أَوْ الْكَوْثَرُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ مَاءُ زَمْزَمَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلُوا بِهِ قَلْبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ شَقُّوهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى مَاءِ الْكَوْثَرِ فَاخْتِيَارُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ وَلَا يُعَارِضُهُ أَنَّهُ عَطِيَّةُ اللَّهِ لِإِسْمَاعِيلَ، وَالْكَوْثَرُ عَطِيَّةُ اللَّهِ لِنَبِيِّنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا لَا الْآخِرَةِ وَلَا مِرْيَةَ أَنَّ الْكَوْثَرَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَزَايَا نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] بِنُونِ الْعَظَمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَبِمَا قَرَّرْتُهُ عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَرْوَاثِ الْفِئْرَانِ إذْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَا فِي بِلَادِ مِلِيبَارَ هَلْ يُعْفَى عَنْهَا لِأَنَّ عُمُومَ الْبَلْوَى بِهَا أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ - صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى مَنْفَذِ الْفَأْرِ إذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الْفَأْرَةُ وَعَلَى مَنْفَذِهَا النَّجَاسَةُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ.

وَلَمَّا ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قُلْتُ عَقِبَهُ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى الْعَفْوُ عَمَّا تُلْقِيه الْفَأْرَةُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْفَزَارِيّ يُعْفَى عَنْ بَعْرِهَا إذَا وَقَعَ فِي مَائِعٍ وَعَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَا، وَيُوَافِقُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ مَشَايِخِ مَشَايِخِهِ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ بَعْرِ الشِّيَاهِ الْوَاقِعِ فِي اللَّبَنِ حَالَ الْحَلْبِ، لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ لَا يُعْسِرُ عَنْ ذَلِكَ عُسْرًا يُلْحِقُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مُمَاسَّةِ الْعَسَلِ لِلْكُوَّارَةِ الْمَجْعُولَةِ مِنْ رَوْثِ الْبَقَرِ وَنَحْوِهِ اهـ.

الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَبِهَا عُلِمَ أَنَّ الْفَزَارِيّ وَهُوَ مِنْ مَعَاصِرِي النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - قَائِلٌ بِالْعَفْوِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَرْقِ الطُّيُورِ بِأَنَّ الْبَلْوَى بِهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَحَلٍّ وَيَتَعَذَّرُ الصَّوْنُ عَنْهَا وَلَا كَذَلِكَ الْفِئْرَانُ فَإِنَّ الْبَلْوَى بِهَا مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضِ الْأَمَاكِنِ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْهُلُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا بِتَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ وَإِحْكَامِ غِطَائِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَسْمَحْ الْأَصْحَابُ بِالْعَفْوِ عَنْ زِبْلِ الْفِئْرَانِ وَإِنْ سَمَحُوا بِالْعَفْوِ عَمَّا عَلَى مَنَافِذِهَا إلْحَاقًا لَهَا بِسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِذِي الْوَرَعِ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّحَرُّزُ عَمَّا وَقَعَ فِيهِ بَعْرُهَا، وَلَا يُقَلِّدُ الْفَزَارِيّ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ ظَاهِرٌ فِي رَدِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ النَّجَاسَةِ]

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ - عَنْ مَسْأَلَةٍ، قَالَ سَائِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَقَعَ فِي نَفْسِي بِسَبَبِهَا شَيْءٌ مَعَ كَثْرَةِ النَّقْلِ فِيهَا فَتْوَى وَغَيْرُهَا وَهِيَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّعْرَ طَاهِرٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ مُذَكَّاةٍ دُونَ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تَصِيرُ أَجْزَاؤُهَا طَاهِرَةً إلَّا بِالذَّكَاةِ، وَنَحْنُ نَجِدُهُمْ يَأْتُونَ بِالسَّمْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا الزَّبَادُ مِنْ السَّوَاحِلِ فِي بِطَاطٍ وَقُرُونٍ مِنْ بَلَدٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ أَوْ خَالِصُ أَحَدِهِمَا يَأْتِي بِهِ الْمُسْلِمُ أَوْ غَيْرُهُ وَيَشْتَرِيه الْمُسْلِمُ أَوْ غَيْرُهُ وَكَالشِّفَارِ بِمَكَّةَ تُبَاعُ، وَأَنْصِبَتُهَا عِظَامٌ أَوْ بَعْضُهَا وَفِي نَفْسِي مِنْ هَذِهِ أَكْثَرُ فَإِنَّ عِظَامَ صَيْدِ الْبَحْرِ طَاهِرَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا فِي الْعِظَامِ؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ وَابْسُطُوهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015