تَعَالَى كَالْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَفِي الرَّوْضَةِ آخِرَ الدَّعَاوَى أَنَّ النَّفْيَ الْمَحْصُورَ كَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَالَة بِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْبَتِّ وَإِنْ كَانَ نَفْيُ فِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ
وَقَدْ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي مَوْجُودِ لَا يُنْسَبُ لِفِعْلِهِ وَلَا لِفِعْلِ غَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَنْكَرَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِغُرَابٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ عَيْنًا بِأَلْفٍ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِأَلْفَيْنِ وَشُهُودُ عَمْرٍو عَلَى لَفْظِ الشِّرَاءِ فَمَنْ تُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي السُّؤَالِ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إنْ أُطْلِقَتَا بِأَنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا لِوَقْتِ الْإِقْرَارَيْنِ أَوْ أُطْلِقَتْ وَاحِدَةٌ وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى لَزِمَ زَيْدًا لِعَمْرٍو الْأَلْفَانِ اللَّذَانِ شَهِدَتْ بِهِمَا بَيِّنَةُ عَمْرٍو عَلَى إقْرَارِهِ وَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ بَيْن الْبَيِّنَتَيْنِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ عَمْرٌو بَاعَهَا لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ وَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مِنْهُ ثُمَّ بَاعَهَا لَهُ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ زَيْدٌ بِذَلِكَ فَعَمَلنَا بِكُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَأَلْزَمْنَا زَيْدًا الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَى إقْرَارِهِ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَالْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ عَلَى إقْرَارِ عَمْرٍو بِالْأَلْفِ لَا تُعَارِضُ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ لِمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخَيْنِ.
فَإِنْ اخْتَلَفَ التَّارِيخُ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ لَزِمَ زَيْدًا الْأَلْفَانِ أَيْضًا وَإِنْ اتَّفَقَ التَّارِيخُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْأَلْفِ الزَّائِدَةِ بِمَعْنَى أَنَّ زَيْدًا يُقِرُّ بِهَا لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهَا فَيَلْزَمُ زَيْدًا الْأَلْفُ الْأُولَى وَالْأَلْفُ الْأُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّهَا عَمْرٌو إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ مِنْ زَيْدٍ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ ثَانِيًا بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لَزِمَتْهُ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأُولَى.
وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ إلَّا عَقَدٌ وَاحِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهَا فَلَا يَسْتَحِقّهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَشُهُودُ عَمْرٍو عَلَى لَفْظِ الشِّرَاءِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ قَبْله وَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِالْأَلْفَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا حُكْمُ هَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي مَا لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ بَاعَ بِأَلْفٍ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى قُلْتُ حُكْمُهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ دَيْنًا فَقَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى عَمْرٍو وَأَنَا شَاهِدٌ بِذَلِكَ عَلَيْهِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَمْرٍو ` عَلَى زَيْدٍ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِأَنَّ قَوْلَ زَيْدٍ مَا ذُكِرَ جَوَابٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَلْ يَلْزَمُ بِالْخُرُوجِ مِنْ جَوَابِ هَذِهِ الدَّعْوَى بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى بِهِ عَلَى عَمْرٍو وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَ زَيْدٌ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِفِسْقِهِ لِجَحْدِهِ دَيْنِهِ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَبْرِئَةِ نَفْسِهِ بِإِلْزَامِ غَيْرِهِ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصَيْنِ تَوَارَثَا مِنْ أَبِيهِمَا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْد أَزْمَانٍ فَادَّعَى الْآخَرُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ لَهُ حِصَّةً مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِدَعْوَاهُ فَأَجَابَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَهَلْ تُقْبَلُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِقَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ عَيَّنَ الْمُدَّعِي الْمِقْدَارَ فَهَلْ الْوَاجِبُ أَدَاءُ الْقَدْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْقَدْرِ الْكَائِنِ وَقْتَ الدَّعْوَى
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ ادَّعَى وَلَدُ الْمَيِّتِ أَوَّلًا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ ثَانِيًا بِأَنَّ مُورَثَهُمْ اسْتَوْلَى عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَبَيَّنَهَا وَمَاتَ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَهْلَانِ لِلشَّهَادَةِ بِمَا يُطَابِقُ دَاعُوهُ الْمَذْكُورَة قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأَلْزَمَ الْقَاضِي وَرَثَةَ