أَمْ لَا وَكَذَلِكَ يُسْأَلُ فِي الْكِبْرِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ كَبِيرَةٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ الزَّوَاجِرِ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَحِينَئِذٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي الْفِسْقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ مَعَهُ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى أَمْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ مَعْصِيَةٌ أَبَدًا لِأَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ إنَّهُ كَبِيرَةٌ يَكُونُ بِمُفْرَدِهِ مُبْطِلًا لِلْعَدَالَةِ وَرَادًّا لِلشَّهَادَةِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ زَنَى بِحَلِيلَةِ أَحَدٍ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِ أَنْ يَسْتَحِلَّ زَوْجهَا مَا لَمْ يَخْشَ فِتْنَةً أَوْ مُطْلَقًا أَوْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي الزَّوَاجِرِ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ رَأَيْتُ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ لَلْغَزَالِيِّ أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادِ إمَّا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْد الْمُكْنَةِ فَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرٍ اسْتَحَلَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ فِي أَنَّهُ يُرْضِيهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة وَأَمَّا فِي النَّفْسِ فَيُمَكِّنهُ أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقَوَدِ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِمَّا فِي الْعِرْضِ فَإِنْ اغْتَبْتَهُ أَوْ شَتَمْتَهُ أَوْ بَهَتّه فَحَقُّك أَنْ تُكَذِّبَ نَفَسَك بَيْن يَدَيْ مَنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَك بِأَنْ لَمْ تَخْشَ زِيَادَةَ غَيْظٍ وَهَيْجَ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ فَإِنْ خَشِيتَ ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَأَمَّا فِي حَرَمِهِ فَإِنْ خُنْتَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ تَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا كَثِيرًا فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ أَمِنْتَ الْفِتْنَةَ وَالْهَيْجَ وَهُوَ نَادِرٌ فَتَسْتَحِلَّ مِنْهُ وَأَمَّا فِي الدِّينِ بِأَنْ كَفَّرْتَهُ أَوْ بَدَّعْته أَوْ ضَلَّلْته فَهُوَ أَصْعُبُ الْأَمْرِ فَتَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِك بَيْن يَدَيْ مَنْ قُلْتَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنْ تَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِك إنْ أَمْكَنَكَ وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَالنَّدَمُ عَلَى ذَلِكَ لِيُرْضِيَهُ عَنْك. اهـ.

كَلَامُ الْغَزَالِيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ اهـ. وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَره فِي الْحُرَمِ الشَّامِل لِلزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِم كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الزِّنَا وَاللِّوَاطَ فِيهِمَا حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ عَلَى اسْتِحْلَالِ أَقَارِبِ الْمَزْنِيِّ أَوْ الْمَلُوطِ بِهِ وَعَلَى اسْتِحْلَالِ زَوْجِ الْمَزْنِيِّ بِهَا هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا فَلْيَتَضَرَّعْ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي إرْضَائِهِمْ عَنْهُ وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ إلْحَاقُ عَارٍ أَيِّ عَارٍ بِالْأَقَارِبِ وَتَلْطِيخِ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَوَجَبَ اسْتِحْلَالُهُمْ حَيْثُ لَا عُذْرَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُ بَعْضِهِمْ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَقْبِيلهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَالزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّنَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِحْلَالٍ قُلْت هَذَا لَا يُقَاوِمُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى زِنًا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا قَرِيبَ فَهَذِهِ يَسْقُطُ فِيهَا الِاسْتِحْلَالُ لِتَعَذُّرِهِ وَالثَّانِي عَلَى مَنْ لَهَا ذَلِكَ وَأَمْكَنَ الِاسْتِحْلَالُ بِلَا فِتْنَةٍ فَتَجِبُ وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ بِدُونِهِ وَقَدْ يُجْمَعُ أَيْضًا بِأَنَّ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ إذْ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَحَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَمَنْ نَظَر إلَى حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الِاسْتِحْلَالَ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ وَهُوَ مُجْمَلُ عِبَارَةِ غَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَمَنْ نَظَر إلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْجَبَ الِاسْتِحْلَالَ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَنْ أَخَذَ مَالًا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ هَلْ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بِهِ إنْ غَلَّبْنَا عَلَيْهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجِبْ الْإِعْلَامُ بِهِ وَإِنْ غَلَّبْنَا فِي عَلَيْهِ حَقَّ الْآدَمِيِّ وَجَبَ إعْلَامُهُ لِيَسْتَوْفِيَهُ الْإِمَامُ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الرِّفْعَةِ مَثَّلَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ لِلْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَقَّ فِيهَا لِلْعِبَادِ بِتَقْبِيلِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ يَفْهَمُ أَنَّ وَطْأَهَا فِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الزَّوَاجِرِ وَفِيهَا الْجَوَابُ الصَّرِيحُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَزِيَادَة، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَمْرِ الْوَاعِظِ أَوْ الْمُرَبِّي لِمَنْ يَتُوبُ بِقَصِّ بَعْضِ شَعْرِهِ أَوْ حَلْقِ كُلِّهِ هَلْ لَهُ مُسْتَنَدًا وَلَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ حَلْقُ الشَّعْرِ سُنَّةٌ فِي النُّسُكِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ شَقَّ تَعَهُّدُ الشَّعْرِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ وَعِنْد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015