عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَفَاكَ بِهِ وَرِعًا مُجْتَهِدًا وَأَمَّا دَلِيلُ الْحِلِّ لِمَا ذُكِرَ فَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَمِعَ بَعْضَ جَوَارٍ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَهِيَ تَقُولُ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعِي هَذَا وَقُولِي الَّذِي كُنْت تَقُولِينَ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا رَجَعَ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ أَتَتْهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ إنْ رَدَّك اللَّهُ تَعَالَى سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ فَقَالَ لَهَا إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَأَوْفِ بِنَذْرِك» .
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مَالٌ مِنْ حَرَامٍ ثُمَّ جَهِلَ مَالِكَهُ وَلَمْ يَتَوَقَّع مَعْرِفَتَهُ فَمَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَدْفَعهُ لِقَاضٍ تُرْضَى سِيرَتُهُ وَدِيَانَتُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِنِيَّةِ الْغَرَامَةِ لَهُ إنْ وَجَدَهُ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَوَاخِر الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَا لَفْظُهُ وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّن لَهُ مَالِكٌ وَحَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ.
فَذَكَر بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهُ أَيْ الْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَصْرِفَ ثَمَنَهُ إلَى الْمَصَالِحِ وَأَنَّ لَهُ حِفْظَهُ قُلْت هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يُعْرَف خِلَافُهُ. اهـ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ مَا قَالُوهُ فِي الْمَالِ الضَّائِعِ مِنْ حِفْظِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ مَحَلَّهُ إنْ تُوُقِّعَتْ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا كَانَ حِينَئِذٍ مَصْرُوفًا إلَى مَا يُصْرَفُ فِيهِ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي التَّلْقِينِ.
وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ كُلُّ مَالٍ ضَائِعٍ فُقِدَ مَالِكُهُ يَصْرِفُهُ السُّلْطَانُ إلَى الْمَصَالِحِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَالَ الضَّائِعَ عِنْد الْيَأْسِ يَكُونُ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْعِزِّ بْنِ جَمَاعَةٍ تَغَايُرَهُمَا وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كَوْنِهِ يَدْفَعهُ إلَى الْإِمَامِ مَحَلَّهُ إنْ كَانَ عَادِلًا أَوْ لَهُ نَائِبٌ كَذَلِكَ قَالَ وَإِلَّا سَلَّمَهُ لِرَجُلٍ عَالِمٍ مَعْرُوفٍ مَوْثُوقٍ بِهِ وَأَعْلَمهُ بِالْحَالِ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ وَلِلْعَالِمِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. اهـ.
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ الْمَالُ الضَّائِعُ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ فَإِذَا وَقَعَ فِي يَدِ إنْسَانٍ وَلَمْ يَظْفَرْ بِإِمَامٍ أَيْ عَادِلٍ لِمَا مَرَّ يَدْفَعهُ إلَيْهِ يَصْرِفُهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمَصَالِحِ وَإِنْ كَانَ أَهَمَّ مِنْهُ وَفِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ إذَا عَمَّ الْحَرَامُ قُطْرًا بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ فِيهِ الْحَلَالُ إلَّا نَادِرًا جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْتَصِر عَلَى الضَّرُورَةِ وَلَا يَتَبَسَّطُ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمه اللَّهُ تَعَالَى وَالصُّورَةُ أَنَّ مَعْرِفَةَ مُسْتَحِقِّهِ مُتَوَقَّعَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَصَالِحِ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَا جُهِلَ مَالِكُهُ. اهـ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَاتِ الْعَامَّةِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُقْبَل بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِهَا فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِلْمَسْجِدِ شَيْئًا سُمِعَتْ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ غَلَّتِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَحِلُّ اللَّعِبُ بِالطَّابِ أَوْ لَا وَهَلْ الْمِنْقَلَةُ مِثْلُهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا كَانَ مَدَارُهُ عَلَى الْحِرْزِ وَالتَّخْمِينِ يَحْرُمُ وَمَا كَانَ مَدَارُهُ عَلَى الْحِسَابِ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ ظَاهِرُ فِي حُرْمَةِ الطَّابِ وَالْمِنْقَلَةِ التَّابِعَةِ لَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مُعَلَّقٌ عَلَى مَا يُخْرِجهُ فَقَطْ وَفِي حِلِّ الْمَنْقَلَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَنَحْوهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ عَبَثٌ رُبَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّرْدِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ دَائِرٌ عَلَى حِسَابٍ وَمَزِيدِ فِطْنَةٍ فَبِتَكْرَارِهِ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ ذَلِكَ كَمَا فِي الشِّطْرَنْجِ فَتَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ لَعِبُ مُعْتَقِدِ حِلَّ الشِّطْرَنْجِ مَعَ مُعْتَقِدِ تَحْرِيمِهِ حَرَامٌ بِخِلَافِ تَبَايُعِ مَنْ لَا تَلْزَمهُ الْجُمُعَةُ مَعَ مَنْ تَلْزَمهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ التَّبَايُعَ الْقَصْدُ مِنْهُ غَالِبًا طَلَبُ الرِّبْحِ وَهُوَ غَرَضٌ صَحِيحٌ يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ فَلَمْ يُمْنَعْ مَنْ لَا تَلْزَمهُ الْجُمُعَةُ مِنْهُ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ يُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةٍ بِخِلَافِ لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ يَغْلِبُ فِي الْعَادَةِ تَحْصِيلُهُ فَكَانَ دُونَ ذَلِكَ الْغَرَضِ فَمُنِعَ مُعْتَقِدُ حِلِّهِ مِنْ إعَانَةِ مُعْتَقِدِ حُرْمَتِهِ عَلَى حَرَامٍ فِي ظَنِّهِ وَأَيْضًا فَالْمَعْصِيَةُ فِي الْبَيْعِ