تَقْدِيمُ مَا فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِتَحْرِيرِهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَذْهَبِ بِخِلَافِ مَا فِي الْمُصَنَّفِ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا غَيَّرَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فَزَادَ فِيهَا أَوْ نَقَصَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا نَصٌّ.
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُم الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ فَلَيْسَ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ وَقَدْ يَسْهُو ثُمَّ يَذْكُرُ بَعْد ذَلِكَ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ. اهـ.
قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَبُوله إذَا نَقَصَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي دَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ ضَبْطِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ إلَّا إلَخْ لَيْسَ خَاصًّا بِحَالَةِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ بَلْ مِنْ الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ شَرْطُ قَبُولِهِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ عُلِمَ أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْقَبُولِ حَالَةَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ مُقَيَّدٌ بِمَا قَالَهُ السَّيِّدُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّهَا نَظِيرَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ الْكَلَامَ فِيهَا.
فَإِذَا قُيِّدَتْ هَذِهِ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ فَلْتُقَيَّدْ بِهِ نَظِيرَتُهَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا وَمِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمهمَا اللَّه تَعَالَى لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ لِلْقَاضِي بَعْد الشَّهَادَةِ تَوَقَّفْ فِي الْحُكْمِ تَوَقَّفَ وُجُوبًا لِأَنَّهُ يُوهِمُ رِيبَةً فَإِنْ قَالَا بَعْدُ اقْضِ فَإِنَّا عَلَى شَهَادَتِنَا قَضَى بِلَا إعَادَةِ الشَّهَادَةِ. اهـ. هَذَا مُشْكِلٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ تَبْقَ عِنْدَهُ رِيبَةٌ حَكَمَ وَإِنْ دَامَتْ أَوْ زَادَتْ أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَسَاهُلِ فَلَا وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ ضَبْطِ الشُّهُودِ وَبُرُوزِ عَدَالَتِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ سَبَبِ التَّوَقُّفِ ثُمَّ الْجَزْمِ بَعْده لِيَظْهَرَ لَهُ الْحَالُ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ فِي الْعَامِّيِّ. اهـ.
وَذُكِرَ فِي الْخَادِمِ نَحْوُهُ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ وَمِنْهُ يُسْتَفَادُ صِحَّةُ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِجَامِعِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا يُوجِبُ الرِّيبَةَ فَمَتَى صَحِبَ ذَلِكَ قَرِينَةٌ تُزِيلهَا لَمْ تُؤَثِّر وَإِلَّا أَثَّرَتْ وَإِذَا اتَّضَحَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي ذَلِكَ تَعَيَّنَ إجْرَاءُ نَظِيرِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ أَحَدَ النَّظِيرِينَ يَثْبُتُ لَهُ مَا ثَبَتَ لِنَظِيرِهِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته مِنْ الْجَامِعِ بَيْن هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فِي كُلٍّ مَا يُرِيبُ فَاحْتِيجَ فِي قَبُولِهِ إلَى مُزِيلِ الرِّيبَةِ يَتَّضِحُ الْجَامِعُ بَيْنَ صُورَةِ السُّؤَالِ وَصُورَةِ الْقَاضِي وَصُورَةِ الْقَفَّالِ وَصُورَةِ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَيُعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ مَعَ صُورَةِ الْأَذْرَعِيِّ مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ السُّؤَالِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ مِنْ إجْرَاء هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فَمَتَى بَقِيَ عِنْده رِيبَةٌ أَوْ زَادَتْ أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَسَاهُلٍ لَمْ يُقْبَل وَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ضَبْطِ الشُّهُودِ وَبُرُوزِ عَدَالَتِهِمْ وَعِلْمِهِمْ.
وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِي مَا قَرَّرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قَوْلُهُمْ لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ قَبُولُهَا أَيْ وَإِنْ أَبْدَى لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا قُلْتُ لَا يُنَافِيهِ وَلَا يُلَاقِيهِ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي شَخْصٍ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ شَهَادَتِهِ وَالْجَزْمِ بِهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ لَهُ تَغْيِيرٌ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ لَهَا فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ التَّغْيِيرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ هَلْ صَحِبَهُ مَا يُزِيل مَا فِيهِ مِنْ الْإِرَابَةِ أَوْ لَا فَلِذَلِكَ جَرَى فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ نَظَائِرِهِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِمْ فَهُوَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا كَمَا شَهِدَ بِهَا أَوَّلًا فَلَا يُقْبَلُ.
وَإِنْ ادَّعَى غَلَطًا مُحْتَمَلًا لِأَنَّا الْآن شَاكُّونَ فِي حَقِيقَةِ مَا شَهِدَ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ زَيَّفُوا قَوْلَ مَنْ قَالَ بِقَبُولِهِ بِأَنَّ احْتِمَالَ كَذِبِهِ فِي الرُّجُوعِ كَاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا مُرَجِّحَ وَدَعْوَى الْغَلَطِ هُنَا لَا تَصْلُحُ مُرَجِّحَةً لِأَنَّهُ لَمَّا جَزَمَ بِالشَّهَادَةِ أَوَّلًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ مَا شَهِدَ بِهِ فَلَمَّا رَجَعَ عَنْ هَذَا الْجَزْمِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ فَتَوَارَدَ مِنْهُ إثْبَاتُ التَّحَقُّقِ تَارَةً وَنَفْيُهُ أُخْرَى فَإِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى التَّحَقُّقِ لَمْ يُمْكِنْ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا أَزَالَ ظَنَّ صِدْقِهِ مِنْ هَذَا التَّنَاقُضِ فِي أَصْلِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْجَزْمَ بِهِ لَمْ يَزَلْ وَإِنَّمَا وَقَعَ تَغْيِيرٌ فِي وَصْفٍ تَابِعٍ لَهُ وَوُقُوعُهُ فِي هَذَا لَا يُوجِبُ رَدَّ الْأَصْلِ الْمَجْزُومِ بِهِ.
فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ أَخَفَّ فَأَثَّرَتْ فِيهِ الْقَرَائِنُ وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّغْيِيرَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يُنَافِي