فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ فَمُمْتَنِعٌ اتِّفَاقًا بَلْ قِيلَ إجْمَاعًا وَإِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّقْلِيدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ فَعِبَادَاتُ الْمُقَلِّدِ وَمُعَامَلَتُهُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى ذَلِكَ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَيَأْثَمُ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَوْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ اجْتِهَادِ ذَلِكَ الْمُقَلِّدِ لِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا نَقْلُ مَذْهَبِهِ تَوَاتُرًا كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَلَا تَدْوِينُ مَذْهَبِهِ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ بَلْ يَكْفِي أَخْذُهُ مِنْ كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ الْمَوْثُوقِ بِهَا الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا وَكَلَامُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يُخَالِفُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ مِنْ عَبْدِ الْبَاسِطِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى بْنِ أَبِي غِرَارَةَ الشَّافِعِيِّ إلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا الْعَلَّامَةِ الْحُجَّةِ الْفَهَّامَةِ عَالِمِ الْحِجَازِ أَحْمَدَ بْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّا فِي أَرْضِ بَجِيلَةَ وَلَيْسَ عِنْدَنَا سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ مَنْصُوبٌ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَأَهْلُ بَجِيلَةَ وَنَاصِرَةَ وَزَهْرَانَ وَغَامِدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْقَبَائِلِ يَرُدُّونَ أُمُورَهُمْ وَأَحْكَامَهُمْ وَفَتْوَاهُمْ إلَيْنَا وَيَرْفَعُونَ إلَيْنَا قَضَايَاهُمْ الْعُرْفِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ وَيَرَوْنَا نَصْلُحُ لِذَلِكَ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ.

إذَا اجْتَمَعَ بَعْضُ شُيُوخِهِمْ وَنَصَّبُونَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ وَيَنْفُذُ مِنَّا مَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَاضِي مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ تَزْوِيجِ الْمَجْنُونَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالسَّعْيِ لَهُمْ وَالشِّرَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ وَإِنْكَاحِ مَنْ عَضَلَ وَلِيُّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي أَمْ لَا يَجُوزُ لَنَا فِي ذَلِكَ. الْمَسْئُولُ مِنْكُمْ بَيَانُ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ جَدِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ عَمَّا إذَا عُدِمَ فِي قُطْرٍ ذُو شَوْكَةٍ وَحَاكِمٌ وَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ وَلَا لِلْأَطْفَالِ وَصِيٌّ وَنَحْوُهُ. فَهَلْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ نَصْبُ فَقِيهِ يَتَعَاطَى الْأَحْكَامَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ رَئِيسٌ يَرْجِعُ أَمْرُهُمْ إلَيْهِ اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنَصَّبُوا قَاضِيًا صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثَةِ صِفَةُ الْكَمَالِ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ قَالَ الْإِمَامُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ فَحَيْثُ تَعَذَّرَ الْإِمَامُ وَأَمْكَنَ نَصْبُ الْقَاضِي وَجَبَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فَيَأْثَمُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ بِتَرْكِهِ وَقَوْلُهُ صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ أَيْ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُودُهَا فِي زَمَانِهِمْ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ لِلضَّرُورَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَى هَؤُلَاءِ تَوْلِيَتُهُ.

فَإِذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الْمَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عَلَى نَصْبِ مُقَلِّدٍ قَاضِيًا تَمَّ ذَلِكَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ إقَامَةِ قَاضٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ مَعْصِيَةٌ تَعُمُّ أَهْلَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إقَامَتَهُ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِ الْإِمَامِ الَّذِي يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ بَلْ الضَّرُورَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَلَامُ السَّمْهُودِيِّ قَالَ جَدِّي وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَقْدِسِيِّ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْإِشَارَاتِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى أَنْ لَا يَلِيَ أَحَدٌ فِيهِمْ الْقَضَاءَ أَثِمُوا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَأْخُذُ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ» . اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ إنَّ الْبَلَدَ الَّذِي لَا حَاكِمَ فِيهِ تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْهُ لِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ يَأْخُذُ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ وَيُنْصِفُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ جَدِّي وَقَدْ سُئِلَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ عَمَّا إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ مِنْ الْقُرَى وَأَهْلُهَا يَمْلِكُ كِبَارُهُمْ الْحَلَّ وَالْعَقْدَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا فَهَلْ يَصِحُّ نَصْبُهُمْ لِرَجُلٍ يُمْضِي فِيهِمْ مَا يُمْضِي الْحَاكِمُ وَقَدْ أَظْهَرُوا لَهُ الطَّاعَةَ فِيمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ مِنْهُمْ عَدَمَ الْوَفَاءِ ثُمَّ لَمْ يَفُوا بِالْأَكْثَرِ أَوْ بِالْجَمِيعِ هَلْ يَنْفُذُ مِنْهُ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْحَاكِمِ مِنْ تَزْوِيجِ الْمَجْنُونَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ.

فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْكُبَرَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَنْ يُوَلُّوا قَاضِيًا فِي الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صَحَّ وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ وَصَحَّ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ وَيَحْفَظُ مَالَ الْيَتِيمِ وَيَتَصَرَّفُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015