وَاحِدٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ طَرِيقَةٍ لَا يُخَالِفُونَ إمَامَ طَرِيقِهِمْ بَلْ يَكُونُونَ تَابِعِينَ لَهُ فِي تَفْرِيعِهِ وَتَأْصِيلِهِ فَتَفَطَّنْ لِهَذَا فَإِنَّهُ رَاجَ عَلَى كَثِيرِينَ اعْتَرَضُوا عَلَى الشَّيْخَيْنِ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُخَالِفَا ذَلِكَ وَبِفَرْضِهِ وَتَسْلِيمِهِ فَقَدْ بَانَ أَنَّهُمَا لَا يَتَقَيَّدَانِ إلَّا بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ تَرْجِيحِهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ أَجْمَعَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا مُبَالِغَانِ فِي التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ وَالْحِفْظِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْوِلَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَالتَّنْقِيرِ مَبْلَغًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا فَكَانَ اعْتِمَادُ قَوْلِهِمَا هُوَ الْأَحْرَى وَالْأَحَقُّ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مُخَالِفِيهِ هُوَ الْأَوْلَى بِكُلِّ شَافِعِيٍّ لَمْ يَصِلْ لِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ وَلَقَدْ بَيَّنْتُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ رَدَّ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَلَّدَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا إنْ اتَّفَقَا وَإِلَّا فَعَلَى النَّوَوِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يُجْمِعْ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُمَا وَقَعَا فِي سَهْوٍ أَوْ غَلَطٍ فَحِينَئِذٍ يُعْرَضُ عَمَّا قَالَاهُ وَأَيْنَ تَجِدُ مَوْضِعًا اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَجَدْتُهُ تَجِدُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَا قَالَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ إطْبَاقَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى تَغْلِيطِهِمَا فِيمَا قَالَاهُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي مَبْلَغًا وَأَنْصَارُ الشَّمْسِ الْجَوْجَرِيِّ لَهُمَا فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَى أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يَعِزُّ أَنْ يُوجَدَ مَحَلٌّ أَطْبَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ كُلُّهُمْ عَلَى إلْغَاءِ تَرْجِيحِهِمَا فِيهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَافِعِيٍّ يَحْرِصُ عَلَى صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ فِي الْتِزَامِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالتَّمَسُّكِ بِهِ وَيُدَرِّسُ لَهُ كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِذَا سُئِلَ شَافِعِيٌّ عَنْ التَّقْلِيدِ بِمَذْهَبٍ فَهَلْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْتِزَامِ مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْ يَدُلُّهُ إلَى مَذْهَبٍ آخَرَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَكْمَلَهُ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَإِذَا كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى هُدًى مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ أَرْشَدَ غَيْرَهُ إلَى التَّمَسُّكِ بِأَيِّ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ وَاعْتِقَادَهُ لِأَنَّهُ أَرْشَدَهُ إلَى حَقٍّ وَهُدًى تَدْرِيسُ الشَّافِعِيِّ لِكُتُبِ غَيْرِ مَذْهَبِهِ لَا يَسُوغُ لَهُ إلَّا إنْ قَرَأَ ذَلِكَ الَّذِي يُدَرِّسُهُ عَلَى عَالِمٍ مَوْثُوقٍ بِهِ مِنْ أَئِمَّةِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ هَذَا إنْ أُرِيدَ بِهِ تَدْرِيسُ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ مِنْهُ مُجَرَّدُ فَهْمِ الْعِبَارَةِ وَتَفْهِيمِهَا فَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ تَقَرُّرِ مَذَاهِبِهِمْ وَاشْتِهَارِهَا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مَاذَا يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَمَا حُكْمُ عِبَادَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ هَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ عِبَادَتِهِ هَلْ يَكُونُ عَاصِيًا فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْر أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ لِغَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَافِقَ اجْتِهَادُهُ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ حَتَّى يَكُونَ التَّقْلِيدُ لَهُ كَأَنَّهُ تَقْلِيدٌ لِأَحَدِهِمْ أَمْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ نَقْلُ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ مُتَوَاتِرًا أَمْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُدَوَّنًا أَمْ يَكْفِي نَقْلُهُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَأَيْضًا ظَاهِرُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ جَوَازُ التَّقْلِيدِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ سِوَى اعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ كَوْنَ مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ رَاجِحًا أَوْ مُسَاوِيًا فَهَلْ الْبِنَاءُ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ كَافٍ فِي الْحُكْمِ بِجَوَازِ تَقْلِيدِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَمْ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِهِ بَيِّنُوا ذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّ تَقْلِيدَ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يَجُوزُ فِي الْإِفْتَاءِ وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِي عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِغَيْرِ الْأَرْبَعَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لَا كَالشِّيعَةِ وَبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِمَذْهَبِ الْمُقَلَّدِ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنْ مِثْلِهِ وَتَفَاصِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَوْ الْمَسَائِلِ الْمُقَلِّدِ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَلَى مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُقَلَّدِ وَعَدَمِ التَّلْفِيقِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا أَوْ إلَى بَعْضِهَا تَقْلِيدَ غَيْرِ ذَلِكَ الْإِمَامِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَلْفِيقَ التَّقْلِيدِ كَتَقْلِيدِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي عَدَمِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015