ذَلِكَ وَتَوَفُّرِهِ كُلِّهِ فِي قُطْرِ الْيَمَنِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدِلٍ.
وَالْحَاصِلُ إنِّي وَإِنْ لَمْ أَجْزِمْ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَوَضَّحْتُهُ وَبَيَّنْتُهُ وَبَرْهَنْت عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ لَكِنِّي أَرَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي مُرُوءَةٍ أَوْ دِينٍ، أَوْ وَرَعٍ، أَوْ زُهْدٍ، أَوْ تَطَلُّعٍ إلَى كَمَالٍ مِنْ الْكَمَالَاتِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّبُهَاتِ لِاحْتِمَالِهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ مَعَ قَرِينَةٍ، أَوْ قَرَائِنَ تَدُلُّ لِأَحَدِهِمَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُشْتَبِهٌ أَيَّ اشْتِبَاهٍ فَيَكُونُ مِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ اجْتِنَابُهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ دَرَجَةَ الْيَقِينِ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ مَخَافَةَ مَا بِهِ بَأْسٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَا تَأْكُلْهُ فَلَعَلَّهُ قَتَلَهُ غَيْرُ كَلْبِك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَيْضًا فِي كَلْبِهِ الْمُعَلَّمِ «وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرِقَ لَيْلَةً فَقَالَ لَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ أَرِقْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَجَلْ وَجَدْتُ تَمْرَةً فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيت أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ» وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ، أَوْ هِبَةٌ سَأَلَ عَنْهُ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ» الْحَدِيثَ
وَإِذَا تَقَرَّرَتْ لَك هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَعَلِمْت أَنَّ غَايَةَ أَمْرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَنَّهَا مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ تَعَيَّنَ عَلَيْك إنْ كُنْت مِنْ الثِّقَاتِ وَالْمُتَّقِينَ أَنْ تَجْتَنِبَهَا كُلَّهَا وَأَنْ تَكُفَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَاطَى الْمُشْتَبِهَاتِ إلَّا مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِحَقِيقَةِ التَّقْوَى وَلَا تَمَسَّكَ مِنْ الْكَمَالَاتِ بِالنَّصِيبِ الْأَقْوَى وَزَعَمَ أَنَّهَا تُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ إنَّ فَرْضَ صِدْقِهِ غَيْرُ دَافِعٍ لِلْوُقُوعِ فِي وَرْطَةِ الْإِثْمِ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِ الْمُخْبِرِينَ بِوُجُودِ الضَّرَرِ وَالتَّخْدِيرِ فِيهَا فَلِذَلِكَ لَا أُوَافِقُ مَنْ قَالَ إنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً لِطَاعَةٍ فَتَكُونُ مُسْتَحَبَّةً لِأَنَّ مَحَلَّ إعْطَاءِ الْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ إنَّمَا هُوَ فِي وَسَائِلَ تَمَحَّضَتْ لِذَلِكَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ وَسَائِلَ لِشَيْءٍ آخَرَ وَخَلَتْ عَنْ أَنْ يَقُومَ بِهَا وَصْفٌ يَقْتَضِي تَأَكُّدَ تَجَنُّبِهَا وَأَكْلُ هَذِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ بِهَا مَا يَقْتَضِي التَّجَنُّبَ مِمَّا أَوْضَحْنَاهُ وَقَرَرْنَاهُ فَالصَّوَابُ تَرْكُ أَكْلِهَا دَائِمًا وَلَا حَاجَةَ بِالْمُوَفَّقِ إلَى أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِحُرْمَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ حَمْزَةُ النَّاشِرِيُّ وَغَيْرُهُ كَيْفَ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ تَنْحَصِرْ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ بَلْ لَهَا طُرُقٌ أَيْسَرُهَا وَأَوْلَاهَا مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَدْحِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْغِذَاءِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي خَبَرِ «حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ» وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْعَارِفِينَ وَالْفُقَهَاءِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى النَّوَوِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رُوحَهُ إنَّهُ لَمَّا رَأَى الْأَقْسِمَاءَ وَهِيَ مَاءُ الزَّبِيبِ تُبَاعُ فِي الشَّامِ سَأَلَ مَا حِكْمَةُ اصْطِنَاعِ النَّاسِ هَذِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا تَهْضِمُ الْأَكْلَ فَقَالَ وَلِمَ يَشْبَعُ النَّاسُ حَتَّى يَحْتَاجُوا إلَى هَضْمٍ فَانْظُرْ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ اللَّطِيفَةِ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى إنَّهَا تُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ نَظَرًا لِأَنَّ إعَانَتَهَا إنْ كَانَتْ لِكَوْنِهَا تَهْضِمُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا كَثِيفَةٌ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ تُصَفِّرُ اللَّوْنَ وَتُقَلِّلُ شَهْوَةَ الطَّعَامِ وَالْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ
لِأَنَّ فِيهَا مَفْسَدَةً وَهَذَا يُسَاعِدُ مَنْ يَقُولُ أَنَّ فِيهَا ضَرَرًا فَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا مَعَ ذَلِكَ فِيهَا نَظَرٌ أَيَّ نَظَرٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَإِنَّ فُلَانَةَ قَالَتْ إنَّهَا أَرْضَعَتْنِي أَنَا وَإِيَّاهَا فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِرَاقِهَا» وَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ وَفِيهِ وَفِي غَيْرِهِ أَيْضًا أَنَّهُ «لَمَّا تَنَازَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ أَلْحَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَمْعَةَ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ لَمَّا رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بِهِ مِنْ