وَتَرْقِيقِهِ طَاهِرُ الْبَشَرَةِ مَعَ نَبْذِ الدَّسُوسَةِ مِنْ الدِّمَاغِ وَالْجَسَدِ إلَى الظَّاهِرِ وَلَيْسَ فِيهِ حَرَارَةٌ وَلِينٌ يُبَدِّلَانِ مَا نَبَذَهُ مِنْ الْحَرَارَةِ وَاللِّينِ إلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْخَمْرِ وَالْحَشِيشِ فَلِهَذَا كَثُرَ ضَرَرُهُ هَذَا حَاصِلُ تِلْكَ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ الَّتِي وَرَدَتْ عَلَيْنَا فِي الْقَاتِ وَقَدْ عَلِمْت مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ حُجَجُهُمْ مِنْ التَّنَاقُضِ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ أَحْوَالِ آكِلِيهِ وَسَبَبُهُ تَنَاقُضُ أَخْبَارِ مُسْتَعْمِلِيهِ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَلِمَا مَرَّ عَنْ الطَّنْبَدَاوِيِّ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ وَوَجَدَ فِيهِ غَايَةَ الضَّرَرِ وَإِنَّمَا لَمْ أُعَوِّلُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْمُزَجَّدِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ
فَإِنَّهُ قَالَ مَا أَظُنُّهُ يُغَيِّرُ الْعَقْلَ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا أَظُنُّهُ قَاضٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ إذْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ بَلْ كَانَ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْوِجْدَانِيَّةَ مِنْ حَيِّزِ الضَّرُورِيَّاتِ وَإِذَا وَقَعَ هَذَا التَّنَاقُضُ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا الْمُخَلِّصُ فِي ذَلِكَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَخْبَارِ الْمُتَنَاقِضَةِ مَعَ عَدَالَةِ قَائِلِهَا إلَّا بِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا كَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فَمَنْ عَلِمَ مِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمُضِرِّ مِنْهُ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَإِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مُصَرِّحَةٌ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا مُثْبِتٌ لِلضَّرَرِ وَالْآخَرُ نَافٍ لَهُ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ مَعَ الْمُثْبِتِ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَكَذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّرَرِ فَالْمُخْبِرُ بِالْعَدَمِ مُسْتَنِدٌ لِلْأَصْلِ وَالْمُخْبِرُ بِوُجُودِهِ مُخْرِجٌ لَهُ عَنْ الْأَصْلِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَصْحِبَةِ لَهُ وَأَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ عَلَى أَنَّ فِيهِ نَشَاطًا وَرَوْحَنَةً كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُزَجَّدِ وَنَشْأَةً كَمَا مَرَّ عَنْ الطَّنْبَدَاوِيِّ وَطِيبَ وَقْتٍ كَمَا مَرَّ عَنْهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا النَّشَاطُ الَّذِي فِيهِ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ وَالْقَائِلُونَ بِالْحُرْمَةِ قَالُوا يُؤَدِّي إلَيْهِ وَمَا قَالُوهُ أَقْرَبُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ النَّشَاطِ وَالنَّشْأَةِ الذَّاتِيَّيْنِ لِمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ دُونَ الْعَارِضِينَ لَهُ بِوَاسِطَةِ إلْفٍ، أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ إلَى الضَّرَرِ حَالًا، أَوْ مَآلًا فَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلضَّرَرِ مَعَهُ قَرِينَةٌ أَيُّ قَرِينَةٍ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ فِيهِ نَشْأَةً وَنَشَاطًا احْتَاجَ مَنْ سَلَبَ الضَّرَرَ عَنْهُ إلَى حُجَّةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ إلَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ آكِلِيهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ أَخْبَارُ غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَجَّ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ قُلْنَا عَارَضَك أَيْضًا مَنْ اسْتَعْمَلَهُ
وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ عَنْهُ التَّخْدِيرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الضَّرَرِ فَثَبَتَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ فِيهِ نَشَاطًا وَنَشْأَةً وَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا بِقَيْدِهِمَا السَّابِقِ تَوَلَّدَ الضَّرَرُ عَنْهُمَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي فَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ وَمُوَضِّحٌ لِأَدِلَّةِ مَنْ قَالَ بِهِ فَلِمَ لَمْ تَقُلْ بِهِ وَمَا الَّذِي أَوْجَبَ لَك الْعُدُولَ عَنْهُ مَعَ ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ هَذِهِ الَّتِي قَرَّرْتُهَا وَمُوَافَقَتُهَا لِلْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ قُلْت مَحَلُّ الْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ وَالْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ مَا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْمُثْبِتُ وَالْمُخَالِفُ لِلْأَصْلِ لِقُوَّتِهِمَا عَلَى مُقَابِلِهِمَا وَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَارِضَيْنِ عَلَى حَالِهِ فَلَا تَقْدِيمَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا يَسْتَدْعِي بُطْلَانَ الْآخَرِ وَالْجَمْعُ يَسْتَدْعِي الْعَمَلَ بِكُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِلْغَاءَ كَالنَّسْخِ وَهُوَ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ مَتَى أَمْكَنَ غَيْرُهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْعُدُولَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَخْبَارِ وَعَدَمِ إلْغَاءِ بَعْضِهَا لِتَوَفُّرِ عَدَالَتِهِمْ وَعَدَمِ ظُهُورِ تُهْمَتِهِمْ وَأَمَّا النَّشَاطُ وَالنَّشْأَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي أَنَّهُمَا وَصْفَانِ ذَاتِيَّانِ لِهَذَا النَّبَاتِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا عَارِضَانِ لَهُ بِوَاسِطَةِ إلْفٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ يَسَعْنِي مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنْ قَالَ الْمُحَرِّمُونَ ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا وَصْفَانِ ذَاتِيَّانِ لَهُ قُلْنَا إذَا اسْتَنَدْتُمْ فِي ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ فَقَدْ مَرَّ تَنَاقُضُهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا مَعَ فَرْضِ صِدْقِهَا فَلَا يَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ الِاسْتِنَادُ إلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ قَالُوا اسْتَنَدْنَا إلَى التَّجْرِبَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ قُلْنَا لَكُمْ ذَلِكَ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّجْرِبَةِ الَّتِي قَالَهَا الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ تَكَرُّرًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤَدِّي عَادَةً إلَى الْقَطْعِ بِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ مَعَ عَدَالَةِ الْمُجَرِّبِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَالزَّمَنِ وَالْمَكَانِ وَيَبْعُدُ وُجُودُ