إلَى الْوَالِي وَأَدِّي مَنْ يُحْضِرُك إلَيْهِ الْيَوْمَ هَذِهِ فَلَمْ يَنْقُلْ مَتَاعَهُ فَذَهَبَ الْحَالِف إلَى الْوَالِي وَكَانَ الْوَالِي مُشْتَغِلًا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمْ يَتَّفِقْ وُصُولُهُ إلَيْهِ وَلَا إعْلَامُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) الْخُرُوجُ مِنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ بِعَدَمِهِ إنْ كَانَ نَفْيُهُ مَحْصُورًا بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ زَمَنًا فَادَّعَتْ عَدَمَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ وَأَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا طَلَاقَ وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّكْوَى إلَى الْوَالِي فِي يَوْمٍ مُعِينٍ فَلَمْ يَشْتَكِ إلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْيَوْمِ فَتَرَكَ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاق بِخِلَافِ مَا إذَا مَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ اسْرَحِي بِلَفْظِ الْأَمْرِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟
(فَأَجَابَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ اسْرَحِي بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ سَرَحَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ يَتَعَدَّى كَسَرَّحْتُهَا سَرْحًا قَالَ فِي الصِّحَاحِ هَذِهِ وَحْدُهَا بِلَا أَلِفٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6] أَيْ تُخْرِجُونَ مَوَاشِيَكُمْ بِالْغَدَاةِ إلَى الْمَرْعَى وَلَا يَتَعَدَّى كَسَرَّحَتْ بِنَفْسِهَا سَرْحًا فَاسْرَحِي حِينَئِذٍ نَظِيرُ اذْهَبِي وَقَدْ جَعَلُوهُ كِنَايَةً لِأَنَّ الذَّهَابَ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ احْتِمَالًا ظَاهِرًا فَكَذَلِكَ اسْرَحِي كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ أَيْ اُخْرُجِي بِالْغَدَاةِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَيْ اُخْرُجِي بِالْغَدَاةِ إلَى مَوَاشِيك مَثَلًا.
فَإِنْ قُلْت اسْرَحِي مُشْتَقٌّ مِنْ السَّرَاحِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُشْتَقَّ مِنْ السَّرَاحِ صَرِيحٌ قُلْت هَذَا اشْتِبَاهٌ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْن سَرَحَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَا مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَسَرَّحَ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْمُشْتَقُّ مِنْ السَّرَاحِ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّسْرِيحِ إذْ هُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ وَأَمَّا السَّرَاحُ فَاسْمُ مَصْدَرٍ وَمَعْنَى سَرَّحَ الْمُضَعَّفِ لُغَةً أَرْسَلَ فَهُوَ بِمَعْنَى فَارَقَ فَلِذَلِكَ جَعَلُوهُ صَرِيحًا لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيز مُرَادِفًا لِلتَّطْلِيقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ مِنْ سَرَحَ الْمُضَاعَفِ سَرِّحِي وَأَمَّا اسْرَحِي فَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَلَا يُعْطَى حُكْمُهَا بَلْ يَكُونُ كِنَايَةً كَمَا مَرَّ وَأَمَّا سَرِّحِي فَهُوَ مِنْ مَادَّةِ السَّرَاحِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي فَإِنْ نَوَى تَطْلِيقَ نَفْسِهَا كَانَ تَفْوِيضًا لِطَلَاقِهَا إلَيْهَا فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفَسَهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ أَوْ قَالَ عَلَيَّ الْحَرَامُ إلَّا خَرَجْت أَوْ قَالَ إلَّا لَمْ تَخْرُجِي مِنْ بَيْتِي مَا تَكُونِينَ لِي بِامْرَأَةٍ وَكُلَّمَا حَلَّيْتُ حَرَّمْتُ فَخَالَفَتْهُ مَا الْحُكْم وَلَوْ قَالَ أَنْتِ أَوْ هِيَ عَلَيَّ مِنْ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَاتِ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ هِيَ طَالِقٌ فَإِنْ سَبَقَ لِزَوْجَتِهِ ذِكْرٌ كَأَنْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْ زَوْجَتَك أَوْ إنَّ زَوْجَتَك فَعَلَتْ كَذَا فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إلَّا إنْ نَوَاهَا هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ فَإِنْ قُلْت يَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا لَوْ قِيلَ لِزَيْدٍ يَا زَيْدُ فَقَالَ امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ أَنَّهُ لَا طَلَاقَ إلَّا إنْ نَوَى نَفْسَهُ خِلَافًا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ الرُّويَانِيّ تَطْلُقُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا قُلْت لَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامه.
إلَّا إنْ أَرَادَ نَفْسَهُ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَة وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِمَا فِيمَنْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَأَرَادَ زَيْنَبَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ هِيَ طَالِقٌ بَعْد أَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا أَصَرْحُ مِنْ قَوْلِهِ زَيْنَبُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ أَعْرَفُ مِنْ الْعَلَمِ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ بِخِلَافِهِ فِي زَيْنَبَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ صَرْفه إذْ لَفْظُ زَيْنَبَ مَوْضُوعٌ لِذَوَاتٍ كَثِيرَةٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَفَّالُ إذَا أَرَادَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ قُبِلَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَنَاوَلَ ذَوَاتًا كَثِيرَةً إلَّا أَنَّ قَرِينَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُطَلِّقُ غَيْرَ زَوْجَتِهِ مَنَعَتْ مِنْ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِهَا فَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إرَادَةَ غَيْرِهَا وَإِذَا اكْتَفَى فِي تَعْيِينهَا بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى أَنْ يُكْتَفَى بِالصَّرِيحِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ تَقَدُّمُ ذِكْر الزَّوْجَةِ ثُمَّ إعَادَةُ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت غَيْرَهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ فَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ