يطْلب من الْإِنْسَان الِاشْتِغَال بِالذكر، بل وَمن حِين دنوّها إِلَيْهِ وَذَلِكَ من وَقت الْعَصْر، والاستعاذة بِاللَّه من شَرّ كل شَيْء حَتَّى الشَّيْطَان الَّذِي حمل أَقْوَامًا بعظيم خداعه على أَن يسجدوا للشمس حِين غُرُوبهَا أَيْضا، وَأَنه يسبح الله وينزهه من ذَلِك وَمن غَيره حينئذٍ، وَأَن يَسْتَغْفِرهُ من عَظِيم مَا قدم كَيْلا تزل قدمه كَمَا زلت أَقْدَام أُولَئِكَ هَذَا مَا ظهر لي فِي ذَلِك كُله، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. 55 وَسُئِلَ أدام الله النَّفْع بِعُلُومِهِ: مَا الَّذِي يجب علينا تعلمه، واعتقاده، بينوا لنا بَيَانا شافياً لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى مُرَاجعَة مُصَنف وَلكم الثَّوَاب الجزيل من الْملك الْجَلِيل؟ فَأجَاب بقوله: مِمَّا يجب على كل مُكَلّف وجوبا عينياً لَا رخصَة فِي تَركه، أَن يتَعَلَّم ظواهر الاعتقادات الْوَارِدَة فِي الْكتاب وَالسّنة مَعَ تَنْزِيه الله تَعَالَى عَمَّا هُوَ محَال عَلَيْهِ، مِمَّا يَقْتَضِي جسماً أَو جِهَة كالاستواء على الْعَرْش والآيات وَالْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا ذكر الْوَجْه وَالْيَد، فَهَذِهِ وَنَحْوهَا فِيهَا مذهبان مَذْهَب السّلف وَهُوَ الأسلم أَن يُفَوض عِلْم حقائقها إِلَى الله تَعَالَى من التَّنْزِيه عَمَّا دلّت عَلَيْهِ ظواهرها مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيل على الله، وَمذهب الْخلف وَهُوَ أَن يُخْرج تِلْكَ النُّصُوص عَن ظواهرها وتُحْمل على محامل تلِيق بِهِ تَعَالَى كَحْمل الاسْتوَاء على الِاسْتِيلَاء، وَالْوَجْه على الذَّات، وَالْعين على تَمام الرِّعَايَة، والكلأ وَالْحِفْظ، وَالْيَد على النِّعْمَة وَالْقُدْرَة، والرِجْل على الْقَوْم وَالْجَمَاعَة يُقَال رِجْل الْجَرَاد أَي جماعته، والقَدَم على الْجَمَاعَة المقدمين، وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مبَسوط فِي محاله من كتب العقائد وَغَيرهَا، فالمذهبان متفقان على التَّنْزِيه عَن ظواهر تِلْكَ النُّصُوص المشلكة، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا هَل يُفَوض علمهَا إِلَى الله تَعَالَى وَلَا يتَعَرَّض لتأويلها وَهُوَ مَذْهَب السّلف، أَو يتَعَرَّض لتأويلها صَوتا لَهَا عَن خوض المبطلين وزيغ الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ مَذْهَب الْخلف. وَأما بَقِيَّة نُصُوص الْكتاب وَالسّنة مِمَّا دلّ على التَّوْحِيد وَالتَّقْدِيس وَسَائِر صِفَات الْكَمال، كالعِلم وَالْقُدْرَة والإرادة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام والبقاء، وَسَائِر صِفَات السَّلب كليس بجسم وَلَا جَوْهَر، وَلَا عرض، وَلَا متحيز وَلَا فِي مَكَان، وَلَا يحدُّه زمَان وَلَا يتصوره وهم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورء: 11] فَهَذِهِ كلهَا يجب على كل أحد أَن يتَعَلَّم ظواهرها، وَكَذَلِكَ يجب ذَلِك فِي نَحْوهَا ككون العَبْد لَا يخلق أَفعَال نَفسه خَيْرَها وشَرُّها وَإِنَّمَا الْخَالِق لذَلِك والموجد لَهُ هُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ، وككونه تَعَالَى يُرى فِي الْآخِرَة، وككون عَذَاب الْقَبْر وسؤال الْملكَيْنِ والصراط والحوض وَالْمِيزَان والحساب حَقًا، وَأَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان الْيَوْم، وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بالمعاش والمعاد. وَمِمَّا يجب تعلمه عينا أَيْضا أَرْكَان الصَّلَاة وشروطُها ومُبْطلاتُها أَي ظواهر ذَلِك بعد وُجُوبهَا، وَكَذَا قبله إنْ لم يتَمَكَّن بعده من التَّعَلُّم وَإِدْرَاك الْفَرْض فِي وقته، وَكَذَا الصَّوْم وَكَذَا الزَّكَاة إِن كَانَ لَهُ مَال، وَكَذَا الْحَج إِن أَرَادَ فعله أَو تضيق لنَحْو خوف أَو موت أَو غضب أَو تلف مَال، وَكَذَا البيع إِن أَرَادَهُ، وَمثله سَائِر الْمُعَامَلَات كَالنِّكَاحِ، وكالقِسْم لمن مَعَه أَكثر من زَوْجَة فَهَذِهِ كلهَا بعد الْوُجُوب، أَو إِرَادَة الْفِعْل، وَيجب عينا تعلم ظواهر شُرُوطهَا وأركانها ومبطلاتها، وَكَذَلِكَ يجب عينا تعلم ظواهر حُدُود أمراض الْقلب وأسبابها وعلاجها كالحسد والعُجْب والرياء والسُمْعة والحقْد والبُغْضِ نعم من خُلق سليما مِنْهَا، أَو أمكنه إِزَالَتهَا من غير تعلم لَا يلْزمه تعلم مَا ذكر من الْحُدُود وَمَا بعْدهَا إذْ لَا حَاجَة بِهِ إِلَيْهِ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. 56 وَسُئِلَ أدام الله النَّفْع بِعُلُومِهِ وَرَضي عَنهُ: الدَّاخِل إِلَى دَاره وَالْخَارِج مِنْهَا مَا يقدم من رجلَيْهِ؟ فَأجَاب بقوله: الَّذِي يتَّجه أَنه يقدم الْيَمين فِي الدُّخُول واليسرى فِي الْخُرُوج، لِأَن ذَلِك من بَاب التكريم فَهُوَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ من تَقْدِيم الْيَمين فِي لبس الثَّوْب، والخف والنَعْل والسراويل، والاكتحال، وتقليم الْأَظْفَار وقص الشَّارِب ونتف الْإِبِط وَحلق نَحْو الرَّأْس والسواك وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَغير ذَلِك، وَمن تَقْدِيم الْيَسَار فِي خلع الثَّوْب أَو الْخُف، أَو النَّعْل أَو السَّرَاوِيل أَو فِي دُخُول السُّوق، وَيُؤَيّد ذَلِك قَول ابْن عبد السَّلَام: الأَصْل فِي كل قُرْبة يَصحِّ فِعْلها بِالْيَمِينِ واليسار أَن لَا تفعل إِلَّا بِالْيَمِينِ؛ وَقد صرح الرَّافِعِيّ رَحمَه الله بِأَن كل مَا كَانَ لإِزَالَة الْأَذَى فَهُوَ باليسار، وَمَا كَانَ لغيره فَهُوَ بِالْيَمِينِ، وَأخذ مِنْهُ الزَّرْكَشِيّ أَن مَا لَا تَكرمة فِيهِ وَلَا إهانة يكون بِالْيَمِينِ فَعَلَيهِ لَو فَرضنَا أَن دُخُول الدَّار لَا تكرمة فِيهِ وَلَا إهانة يَفْعَله بِالْيَمِينِ، وَهَذَا ظَاهر فِي الدُّخُول لِأَنَّهُ إمَّا من بَاب التكريم وَهُوَ الظَّاهِر قِيَاسا على مَا مر فِي اللّبْس وَنَحْوه، وإمَّا من بَاب مَا لَا تَكْرُمة فِيهِ وَلَا إهانة، وَقد علمتَ أَنه يدْخل بِالْيَمِينِ عِنْد الزَّرْكَشِيّ أخذا من قَول الرَّافِعِيّ، وَأما الْخُرُوج