إِلَى وَجهه الْكَرِيم، قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْناك حقَّ عبادتك) . ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عدي بن أَرْطَاة عَن رجل من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن لله مَلَائِكَة تُرْعد فرائصهُم من مخافته مَا مِنْهُم ملك تقطر دمعة من عينه إِلَّا وَقعت ملكا يسبّح الله، وملائكة سجوداً لله مُنْذُ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض لم يرفعوا رؤوسهم وَلَا يرفعونها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وصفوفاً لَا يَنْصَرِفُونَ عَن مَصَافهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تجلى لَهُم رَبهم فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ قَالُوا: سُبْحانك مَا عَبَدناك كَمَا يَنْبَغِي لَك) .
وسؤال الْملكَيْنِ يعم كل ميت وَلَو جَنِينا وَغير مقبور كحريق وغريق وأكيل سبع كَمَا جزم بِهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَقَول بَعضهم يسألان المقبور إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التبرُّك بِلَفْظ الْخَبَر، نعم، قَالَ بعض الْحفاظ والمحققين: الَّذِي يظْهر اخْتِصَاص السُّؤَال بِمن يكون لَهُ تَكْلِيف وَبِه جزم غير وَاحِد من أَئِمَّتنَا الشَّافِعِيَّة وَمن ثمَّ لم يستحبوا تلقينه، وَمن ثمَّ خَالف فِي ذَلِك الْقُرْطُبِيّ وَغَيره فجزموا بِأَن الطِفْل يسْأَل وَلَا يُسْأل الشَّهِيد كَمَا صحت بِهِ الْأَحَادِيث وَألْحق بِهِ من مَاتَ مرابطاً لظَاهِر حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ: (كل ميت يُخْتَّمُ على عَمَله إِلَّا الَّذِي مَاتَ مرابطاً فِي سَبِيل الله، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عمله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيؤمَّن من فتَّاني الْقَبْر) وَألْحق الْقُرْطُبِيّ بالشهيد شَهِيد الْآخِرَة فَقَط وَالصديق لِأَنَّهُ أَعلَى مرتبَة من الشَّهِيد، وَمِنْه يُؤْخَذ انْتِفَاء السُّؤَال فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي حق سَائِر الْأَنْبِيَاء، وَبحث بعض الْمُحَقِّقين والحفاظ أَن الْملك لَا يسْأَل لِأَن السُّؤَال يخْتَص بِمن شَأْنه أَن يفتن، وَفِي حَدِيث حسنه التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه الطَّحَاوِيّ (من مَاتَ لليلة الْجُمُعَة أَو يَوْمهَا لم يُسْأل) ووردت أَخْبَار بِنَحْوِهِ فِيمَن يقْرَأ كل لَيْلَة سُورَة تبَارك وَفِي بَعْضهَا ضم سُورَة السَّجْدَة إِلَيْهَا، وَجزم التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم بِأَن الْمُعْلن بِكُفْرِهِ لَا يسْأَل وَوَافَقَهُ ابْن عبد الْبر وَرَوَاهُ بعض كبار التَّابِعين لَكِن خَالفه الْقُرْطُبِيّ وَابْن الْقيم، واستدلاله بِآيَة: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُواْ بِ الْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إِبْرَاهِيم: 27] وَبِحَدِيث البُخَارِيّ (وَأما الْكَافِر وَالْمُنَافِق) بِالْوَاو وَرجحه شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر بِأَن الْأَحَادِيث متفقة على ذَلِك وَهِي مَرْفُوعَة مَعَ كَثْرَة طرقها الصَّحِيحَة.
وَجزم التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم وَابْن عبد الْبر أَيْضا بِأَن السُّؤَال من خَواص هَذِه الْأمة لحَدِيث مُسلم: (إِن هَذِه الْأمة تُبْتلى فِي قبُورها) وَخَالَفَهُمَا جمَاعَة مِنْهُم ابْن الْقيم وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْأَحَادِيث مَا يَنْفِي السُّؤَال عَمَّن تقدم من الْأُمَم، وَإِنَّمَا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته بكيفية امتحانهم فِي الْقُبُور، لَا أَنه نفى ذَلِك عَن ذَلِك وَتوقف آخَرُونَ وللتوقف وَجه لِأَن قَوْله: (إنَّ هَذِه الْأمة) فِيهِ تَخْصِيص، فتعدية السُّؤَال لغَيرهم تحْتَاج إِلَى دَلِيل، وعَلى تَسْلِيم اخْتِصَاصه بهم، فَهُوَ لزِيَادَة درجاتهم ولخفَّة أهوال الْمَحْشَر عَلَيْهِم فَفِيهِ رفق بهم، وَأكْثر من غَيرهم، لِأَن المِحَنَ إِذا فُرِّقَت هان أمرهَا، بِخِلَاف مَا إِذا توالت فتفريقها لهَذِهِ الْأمة عِنْد الْمَوْت، وَفِي الْقُبُور، والمحشر، دَلِيل ظَاهر على تَمام عناية ربِّهم بهم أَكثر من غَيرهم، وَكَانَ اختصاصهم بالسؤال فِي الْقَبْر من التخفيفات الَّتِي اختصوا بهَا عَن غَيرهم لما تقرَّر فَتَأمل ذَلِك، وَمُقْتَضى أَحَادِيث سُؤال الْملكَيْنِ أَن الْمُؤمن وَلَو فَاسِقًا يجيبهما كالعدل وَلَكِن بشارته تحْتَمل أَن تكون بِحَسب حَاله وَيُوَافِقهُ قَول ابْن يُونُس اسمهما على المذنب مُنكر: أَي بِفَتْح الْكَاف. وَأما على الْمُطِيع: مُبشر وَبشير.
قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: وَلم نقف لَهُ على أصل، وَمُقْتَضى الْأَحَادِيث اسْتِوَاء سَائِر النَّاس فِي اسمهما وَهُوَ مُنكر وَنَكِير كَمَا فِي حَدِيث عِنْد التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب مُنكر بِفَتْح الْكَاف اتِّفَاقًا. وَفِي مُرْسل ضَعِيف زِيَادَة اثْنَيْنِ آخَرين وهما (ناكور ورومان، فَعَلَيهِ تكون الْمَلَائِكَة الَّذين يسْأَلُون أَرْبَعَة وَفِي صفتهما الْآتِيَة إِذْ فِي حَدِيث ابْن حبَان وَالتِّرْمِذِيّ يَأْتِيهِ (ملكان أسْوَدان أزْرقان) . زَاد الطَّبَرَانِيّ (أعينهما مِثْلُ قدور النُحاس، وأنيابهُما مثل صَياصِّي الْبَقر وأصواتِهِمَا مثل الرَعْد) . وَنَحْوه لعبد الرَّزَّاق من مُسْند عَمْرو بن دِينَار وَزَاد (يحفران بأنيابهما ويطآن فِي أشعارهما مَعَهُمَا مُزربَّة لَو اجْتمع عَلَيْهَا أهلِ منى لم يَحْمِلوها) .
وَبِمَا تقرر علم أَن مُنْكرا أَو نكيراً هما اللَّذَان يسألان الْمُؤمن وَغَيره، وَظَاهر أَحَادِيث سؤالهما أَنَّهُمَا يسألان كل أحد بِالْعَرَبِيَّةِ. وَفِي بعض طرق حَدِيث الصُّور الطَّوِيل عِنْد عَليّ بن معبد: تخرجُونَ مِنْهَا شُبَّاناً كلكُمْ أَبنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وَاللِّسَان يومئذٍ بالسُّرْيَانيَّة سرَاعًا إِلَى رَبهم يَنْسلونَ، فَإِن أُرِيد بيومئذٍ اخْتِصَاص تكلمهم بالسُّرْيَانيَّة بِيَوْم النفخ لم يناف مَا مر وَإِن أُرِيد بيومئذٍ وَقت كَونهم فِي الصُّور نافاه. وَالْحَاصِل الْأَخْذ بِظَاهِر الْأَحَادِيث هُوَ أَن