التبديل عِنْد دُخُول الْجنَّة، وَقد قَالَ بعض الْمُحَقِّقين والحفاظ: وَالصَّحِيح بل الصَّوَاب أَن الَّذِي يُعِيدهُ الله هُوَ الأجساد الأولى لَا غَيرهَا، وَمن قَالَ غير ذَلِك فقد أَخطَأ عِنْدِي لمُخَالفَته ظَاهر الْقُرْآن والْحَدِيث، والعينان فِي الْوَجْه كَمَا كَانَتَا فِي الدُّنْيَا، وَورد أَنَّهُمَا فِي الرَّأْس وَلَكِن ظَاهر جَوَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حَيْثُ استعظمت كشف العورات (بِأَن لكل امرىء مِنْهُم يومئذٍ شَأْنًا يُغْنِيه عَن النّظر إِلَى غَيره) فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْعَينَيْنِ فِي الْوَجْه وَالنَّاس فِي الْموقف يكون كل مِنْهُم على طوله الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ ثمَّ عِنْد دُخُول الْجنَّة يصيرون طولا وَاحِدًا. فَفِي الصَّحِيح (يبْعَث كل عبد على مَا كَانَ عَلَيْهِ) وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح فِي صِفَات الْجنَّة مَا ذكرته ويبعثون بشعورهم ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة جردا مردا كَمَا ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح انْتهى. قَالَ الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله: يكون الآدميون فِي الْجنَّة على سنّ وَاحِد وَأما الْحور فأصناف مصنفة صغَار وكبار على مَا اشتهت أنفس أهل الْجنَّة. وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي (العظمة) وَابْن عَسَاكِر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَيْسَ أحد يدْخل الْجنَّة إِلَّا أجرد أَمْرَد إِلَّا مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِن لحيته تبلغ سرته فِي الْجنَّة غير آدم يكنى فِيهَا بِأبي مُحَمَّد) وَفِي رِوَايَة: (لَيْسَ أحد فِي الْجنَّة لَهُ لحية إِلَّا آدم عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ لحية سَوْدَاء إِلَى سُرَّته) وَذَلِكَ أَنه لم يكن لَهُ لحية فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا كَانَت اللحا بعد آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) . وَلَيْسَت الْجنَّة دَار تَكْلِيف فَلَا يجب فِيهَا غُسل وَلَا غَيره، بِخِلَاف الدُّنْيَا فَلَا تقاس تِلْكَ الدَّار بِهَذِهِ الدَّار، وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَي فِي أهل الْجنَّة: (إِن الْبَوْل والجنابة عرق يسيل من تَحت جوانبهم إِلَى أَقْدَامهم مسك) . وَأخرج أَيْضا الْأَصْفَهَانِي عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: (لَيْسَ فِي الْجنَّة لَا مني وَلَا منية) أَي وَلَا موت. وَأخرج أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَهُ: (أنطأ فِي الْجنَّة؟ قَالَ: نعم، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ دحماً دحماً فَإِذا قَامَ عَنْهَا رجعت مطهرة بكرا) . وَفِي رِوَايَة عِنْد أبي يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل يتناكح أهل الْجنَّة؟ فَقَالَ: (دحاماً دحاماً لَا منيّ وَلَا منية) . وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي وَغَيره: (يعْطى الْمُؤمن فِي الْجنَّة قوّة مائَة) يَعْنِي فِي الْجِمَاع وَفِي رِوَايَة: (أَن الرجل ليصل فِي الْغَدَاة الْوَاحِدَة إِلَى مائَة عذراء) . وَفِي رِوَايَة عِنْد عبد الله بن أَحْمد رحمهمَا الله: (أَن الْمُؤمن كلما أَرَادَ زَوجته وجدهَا عذراء) .
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْمُؤمن إِذا اشْتهى الْوَلَد فِي الْجنَّة كَانَ حملُه وَوَضعه فِي سَاعَة كَمَا يَشْتَهِي) وَحكى التِّرْمِذِيّ اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي هَذَا، وَحكي عَن طَاوس وَمُجاهد وَالنَّخَعِيّ (أَن فِي الْجنَّة جماعاً وَلَا ولد) قَالَ: وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم فِي هَذَا الحَدِيث إِذا اشْتهى وَلَكِن لَا يَشْتَهِي، وَكَذَا رُوِيَ فِي حَدِيث لَقِيط إِن أهل الْجنَّة لَا يكون لَهُم ولد انْتهى، وَقَالَ جمع: بل فِيهَا الْوَلَد إِذا اشتهاه الْإِنْسَان، ورجَّحه الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الصُعلوكي، وَيُؤَيِّدهُ أَن أول حَدِيث أبي سعيد عِنْد هناد فِي الزّهْد (قُلْنَا: يَا رَسُول الله إِن الْوَلَد من قرَّة الْعين وَتَمام السرُور، فَهَل يُولد لأهل الْجنَّة؟ قَالَ: قَالَ إِذا اشْتهى إِلَخ) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ مَرْفُوعا بِلَفْظ (إِن الرجل يَشْتَهِي الْوَلَد فِي الْجنَّة فَيكون حمله ورضاعه وشبابه فِي سَاعَة وَاحِدَة) وَلَا يُنَافِيهِ لَفظه السَّابِق فِيهِ (غير أَن لَا توالد) لِأَن الْمَنْفِيّ ترَتّب الْولادَة على الْجِمَاع غَالِبا كَمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا، والمُثْبت هُنَا حُصُول الْوَلَد عِنْد اشتهائه كَمَا يحصل الزَّرْع عِنْد اشتهائه، وَلَا زرع فِي الْجنَّة فِي سَائِر الْأَوْقَات وَقد ثَبت أَن الله يُنشىء خلقا للجنة يُسكِنهم فضاءها، وَلَا مَانع حينئذٍ من إنْشَاء ولد من أَهلهَا. وَالَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْآيَات القرآنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة أَن بعض الْمَلَائِكَة فِي الْجنَّة وَبَعْضهمْ فِي النَّار وَمن فِي النَّار لَا يحسُّ بألمها وَكلهمْ يتنعمون بِمَا يفاض عَلَيْهِم من قبل الْحق جلّ وَعلا.
وَمن ذَلِك رُؤْيَتهمْ لَهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا نعيم فَوق ذَلِك، وَأما مَا وَقع فِي كَلَام بعض الْأَئِمَّة من أَن رُؤْيَة الله خَاصَّة بِمُؤْمِن الْبشر، وَأَن الْمَلَائِكَة لَا يرونه وَاحْتج لَهُ بقوله تَعَالَى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأٌّبْصَارُ} [الْأَنْعَام: 103] فَإِنَّهُ عَام خص بِالْآيَةِ وَالْأَحَادِيث فِي الْمُؤمنِينَ فَبَقيَ على عُمُومه فِي الْمَلَائِكَة فَهُوَ مَرْدُود. وَمِمَّنْ نصَّ على خِلَافه الإِمَام الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي كتاب الرُّؤْيَة: بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَة الْمَلَائِكَة رَبهم. ثمَّ أخرج عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: (خلق الله الْمَلَائِكَة لعبادته أصنافاً وَإِن مِنْهُم مَلَائِكَة قيَاما صافين من يَوْم خلقهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وملائكة رُكُوعًا خشوعاً من يَوْم خلقهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وملائكة سجوداً من يَوْم خلقهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تجلَّى لَهُم تبَارك وَتَعَالَى ونظروا