اعْتِقَاد الْأَشْعَرِيّ واعتقاد السّلف وَأهل الطَّرِيقَة والحقيقة نسبته إِلَى التَّفْصِيل الْوَاضِح كنسبة القطرة إِلَى الْبَحْر الطافح وَمرَاده بِأَهْل الطَّرِيقَة والحقيقة الصُّوفِيَّة وَأما أحسن قَول بَعضهم الْمُعْتَزلَة نزهوا الله من حَيْثُ الْعقل فأخطؤا والصوفية نزهوه من حَيْثُ الْعلم فَأَصَابُوا قَالَ اليافعي وَقد اشْتهر عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَنه كَانَ يعْتَقد الْجِهَة وَقد اسْتغْرب ذَلِك مِنْهُ وعد شاذا فِي ذَلِك عَن أَئِمَّة الْمشرق وَلَكِن قد أخبر الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشهير نجم الدّين الْأَصْبَهَانِيّ أَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر رَجَعَ آخرا عَمَّا كَانَ يَعْتَقِدهُ أَو لأذكر ذَلِك لما بلغه أَن الإِمَام ابْن دَقِيق الْعِيد تعجب من اعْتِقَاد الشَّيْخ عبد الْقَادِر ذَلِك مَعَ مَا جوى من الْعُلُوم والمعارف وَمثل الشَّيْخ نجم الدّين الْأَصْبَهَانِيّ إِذا أخبر عَن الْقَوْم بقول فعلي الْخَبِير يسْقط الْمخبر إِذْ هُوَ من أهل الِاطِّلَاع ظَاهرا وَبَاطنا لكَونه من أهل النُّور والكشف الْمَشْهُور وَكَون الْعرَاق لَهُ وطنا وَصَحب الْمَشَايِخ هُنَالك وَالْعُلَمَاء وَعقد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - للوائه أحد عشر علما أخبر بِالرُّجُوعِ عَن الإعتقاد الْمَذْكُور وَعقد الْأَعْلَام الْمَذْكُور غير وَاحِد من أَصْحَاب الشَّيْخ نجم الدّين الْمَذْكُور عَنهُ مِمَّن لَا يشك وَالله فِي صدقهم انْتهى كَلَام اليافعي قدس سره ثمَّ حكى من كَلَام الشَّيْخ عبد الْقَادِر مَا اشْتَمَل على بَدَائِع من التَّوْحِيد والتنزيه وعجائب من المعارف وقواطع تَنْفِي التجسيم وَالْمَكَان والتشبيه مفصحا بِكَوْن الْحق تَعَالَى لم يسْتَقرّ فِي مَكَان وَلم يتَغَيَّر عَمَّا عَلَيْهِ كَانَ جَامعا بَين فصاحة الْعبارَة وبلاغة الِاسْتِعَارَة وحلاوة نظم الدّرّ فِي سلك معارف الْأَنْوَار وطلاوة تناسب الفواصل فِي سلك محَاسِن الْأَسْرَار وَمن جملَة تِلْكَ الْكَلِمَات الأنيقة والعبارات الرائقة الفائقة الرشيقة نُودي فِي معاقل الْآفَاق وفجاج الأكوان ومعالم المصنوعات أَن سُلْطَان الصِّفَات الْقَدِيمَة وَملك النعوت الْعَظِيمَة يُرِيد أَن يمر على مسالك العوالم ويعدو فِي مشَاهد الشواهد فحدقوا عيونكم وصفوا سرائركم وقيدوا أفكاركم وغضوا أبصاركم واحضروا بلاغتكم وفكوا مناطقكم وألسنتكم فتروا من جنان الْعِزَّة سناء بارقا مجللا بالهيبة مظللا بالعظمة متوجا بالجمال مكللا بالكمال آخِذا بنواصي الْأَنْوَار قاهر الْمعَانِي الْأَسْرَار فتجلى فِي حلل لطفه وتلطفه ودنا بِقُرْبِهِ وتعرفه لَهُ مطالع ومشارق ولوامح وبوارق وشواهد ومناطق ومعارف وحقائق وعوارف ومناشق تجلوا مطالعه الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى وتسفر مشارقه وسع كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض وتوضح لوامحه يَدَاهُ مبسوطتان وَتكشف بوارقه وَهُوَ مَعكُمْ وتبدي شواهده وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ وتفصح مناطقه وَالله من ورائهم مُحِيط وتنادي معارفه وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وتنطق حقائقه لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَتشهد عوارفه لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وتتأرج مناشقه قل الله ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ فظهرت بَدَائِع صنائع الْقدَم فِي أحسن صُورَة من بهجة الْكَمَال البارز من حَرِيم الْعِزَّة عَلَيْهَا ملابس الْجمال غرائب الْعَجَائِب وَطَاف بِهِ طائف من رَبك فِي طرائق الملكوت ومصنوعات المصنوعات ومكنون الكائنات فَوَقع الْكل فِي مهاوي البهتة وتاهوا فِي مهامه الدهشة وَإِذا النداء من حَضْرَة الْقُدس أَلَسْت بربكم قَالُوا بِلِسَان الذل والخضوع فِي مقَام الْإِقْرَار بوحدانية الإلهية بلَى وأشهدهم على أنفسهم بِقِيَام الْحجَّة يَوْم تشهد عَلَيْهِم ألسنتهم فتبع الْخَلَائق ذَلِك البارق وسلكوا نَحوه طرائق فاقتفى قوم آثاره فَلم يستضيئوا هدى من علمه وَلَا آثاره بل حكمُوا الْعُقُول ومقايسها وَاتبعُوا الأهوية وأبالسها فَمنهمْ طَائِفَة ضلوا فِي تيه التمويه ووقعوا فِي التجسيم والتشبيه فَأُولَئِك الَّذين أهلكهم الشَّقَاء حِين ابتلى أخيارهم وَأُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم وَمِنْهُم فرقة حاروا فِي أضاليل التعطيل وَمِنْهُم عِصَابَة هَلَكُوا بأباطيل الْحُلُول فأغرقوا فأدخلوا نَارا فَلم يَجدوا لَهُم من دون الله أنصارا ومنادي التَّوْحِيد والتنزيه يُنَادي فِي صفحات الْوُجُود أَن سُلْطَان الصّفة الْقَدِيمَة وَملك النعوت القويمة إِلَى الْآن فِي مقرّ الْعِزّ والجلال ومظل الْقُدْرَة والكمال مَا انْتقل إِلَى مَكَان وَلم يتَغَيَّر عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ كَانَ محتجبا بِجلَال عزته فِي تعالي كبريائه وعظمته فأحجم الْعَرْش من خوف الْبَطْش إِذْ جعل محلا للافتراء ومجالا للامتراء وَصَاح بِلِسَان الرهبة من الْبعد بأرباب الْغَيْبَة عَن الرشاد أَنِّي مُنْذُ خلقت فِي دهشة الوله ووحشه التحير حَتَّى لمع لي من جناب الْأَزَل بارق الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى فَلَمَّا صوبت إِلَى نَفسِي نَظَرِي وَقع حَده على