فَكَذَا هَذَا داوى نَفسه بل قلبه بِهَذَا الْمحرم وَمَا أجبْت بِهِ أولى لِأَن التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا حق الله فسومح بِهِ لأجل الْمَرَض وَأما هَذَا فَحق الْآدَمِيّ لَا يجوز إِلَّا بِرِضَاهُ فَكيف يجوز لأجل صَلَاح قلبه فَالصَّوَاب مَا أجبْت بِهِ إِذْ لَا يرد عَلَيْهِ مَا أوردهُ اليافعي رَحمَه الله على ذَلِك الْجَواب فَقَالَ بعد قَوْله لَا يداوى التخريب بِحرَام مغلظ كالكبائر وَنَحْوهَا وَفِي جَوَاز ارْتِكَاب الْحَرَام للتخريب بِمُجَرَّد الظَّن حُصُول الْفساد وَالضَّرَر الراجحين على فَسَاد الْحَرَام وضرره عِنْدِي فِيهِ نظر وَيَتَرَتَّب على هَذَا سُؤال فَيُقَال إِذا تعَارض مفسدتان صغرى قَطْعِيَّة وكبرى ظنية فايتهما أولى بِالدفع وَإِذا حصل الْغَرَض من التخريب بمكروه فَلَا يجوز بِحرَام انْتهى كَلَام اليافعي رَضِي الله عَنهُ وتوقفه فِي تعَارض المفسدتين المذكورتين فِيهِ نظر وَقَضِيَّة قَوْلهم دَرْء الْمَفَاسِد مقدم على جلب الْمصَالح تَقْدِيم دفع الْمفْسدَة القطعية صغرت أَو كَبرت كَمَا يعلم من كَلَام الْأَئِمَّة فِي الْمُضْطَر يَأْخُذ طَعَام الْغَيْر المستغنى عَنهُ قهرا عَلَيْهِ ويقتله إِن امْتنع من إِعْطَائِهِ وَتعين الْقَتْل طَرِيقا لتحصيله وَمَعَ ذَلِك لَا يَأْخُذهُ مجَّانا بل يُبدلهُ حَالا أَن قدر عَلَيْهِ وَإِلَّا فحتى يقدر (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ ورضى عَنهُ بِمَا لَفظه نقل عَن جمَاعَة من الصُّوفِيَّة كَلِمَات تدل على انحلال عقائدهم لَا سِيمَا الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني نفع الله بِهِ ورحمه فَإِنَّهُ نقل عَنهُ القَوْل بالجهة وَهَذَا قدح عَظِيم وخرق جسيم وحاشا هَذَا الْوَلِيّ أَن يَقُول ذَلِك أَو أَن يرتبك فِي شَيْء من المهالك ووعر تِلْكَ المسالك فبينوا مَا فِي ذَلِك (فَأجَاب) بل الله ثراه حاشا لله ومعاذ الله أَن يظنّ بِأحد من الصُّوفِيَّة الْمَذْكُورين فِي رِسَالَة الْقشيرِي وعوارف المعارف وَغَيرهمَا من كتب الْأَئِمَّة الجامعين بَين علمي الظَّاهِر وَالْبَاطِن شَيْء مِمَّا يُخَالف عقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَقد ذكر الْقشيرِي وَغَيره من كلماتهم فِي العقائد مَا يبين ذَلِك ويوضحه فَانْظُر فِي الرسَالَة وَغَيرهَا وَمن نسب إِلَى وَاحِد مِنْهُم شيأ مِمَّا يُخَالف ذَلِك كالقول بقدم الْحُرُوف فقد افترى فقد صرح سهل بن عبد الله وَأَبُو بكر الشبلي وَأَبُو الْعَبَّاس بن عَطاء بحدوثها وَابْن عَطاء هَذَا هُوَ أحد الشُّيُوخ الْخَمْسَة الَّذين أجمع على الِاقْتِدَاء بهم لجمعهم بَين علمي الظَّاهِر وَالْبَاطِن وهم أَبُو عبد الله الْحَرْث بن أسيد المحاسبي وإنكار الإِمَام أَحْمد عَلَيْهِ بالغوافي رده وَأَنه لعدم علمه بِحَقِيقَة حَاله وَأَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد وَأَبُو مُحَمَّد رُوَيْم وَأَبُو عبد الله عَمْرو بن عُثْمَان الْمَكِّيّ وَابْن عَطاء الْمَذْكُور وَتَخْصِيص هَؤُلَاءِ بذلك إِنَّمَا هُوَ لكَوْنهم كَانُوا مُجْتَمعين اجتماعا مَخْصُوصًا فِي عصر وَاحِد لَا لنفي الِاقْتِدَاء عَن غَيرهم إِذْ الجامعون بَين العلمين الْمَذْكُورين من الْقَوْم كَثِيرُونَ على أَن تَخْصِيص الِاقْتِدَاء بالجامعين بَين العلمين الْمَذْكُورين إِنَّمَا هُوَ لبَيَان الْأَكْمَل إِذْ لَا خلاف بَينهم أَن جَمِيع السالكين العارفين بِاللَّه تَعَالَى يجوز الِاقْتِدَاء بهم سَوَاء حصل السلوك قبل الجذبة أَو بعْدهَا وَسَوَاء علمُوا جَمِيع عُلُوم الشَّرِيعَة الْمَفْرُوضَة والمندوبة أم لم يعرفوا سوى فرض الْعين الَّذِي لَا بُد لكل مُكَلّف مِنْهُ أَو لبَيَان من يقْتَدى بِهِ فِي العلمين مَعًا وَقد قَالَ أَبُو عُثْمَان المقرى كنت أعتقد شيأ من حَدِيث الْجِهَة فَلَمَّا قدمت بَغْدَاد زَالَ عني ذَلِك فَكتبت إِلَى أَصْحَابنَا بِمَكَّة أَنِّي أسلمت جَدِيدا وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني قدمت من بَغْدَاد إِلَى نيسابور فدرست فِي جَامعهَا فشرحت القَوْل فِي الرّوح وَأَنَّهَا مخلوقة فأصغى الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم النَّصْر أباذي إِلَيّ من بعيد ثمَّ اجتاز بِنَا بعد أَيَّام فَقَالَ لبَعض أَصْحَابِي اشْهَدُوا أَنِّي أسلمت على يَد هَذَا الرجل وَأَشَارَ إِلَيّ فَانْظُر إِلَى تواضع هَذَا الْأُسْتَاذ الَّذِي هُوَ أَبُو الْقَاسِم وإنصافه ورجوعه للحق مَعَ أَنه كَانَ شيخ وقته وَكَذَا أَبُو عُثْمَان السَّابِق وكل هَذَا يدل على أَنهم مطهرون من الحظوظ النفسية متصفون بِالصِّفَاتِ الْعلية وَمن كَلَام أبي الْقَاسِم الْمَذْكُور الْجنَّة بَاقِيَة بإبقائه وَذكره لَك رَحمته ومحبته لَك بَاقِيَة لَك بِبَقَائِهِ فشتان مَا بَين مَا هُوَ بَاقٍ بِبَقَائِهِ وَمَا هُوَ بَاقٍ بإبقائه فَتَأمل هَذَا التَّحْقِيق عَن هَذَا الإِمَام الْمُوَافق لما عَلَيْهِ أهل الْحق إِن صِفَات الْقَدِيم سُبْحَانَهُ بَاقِيَة بإبقائه وَإِن ذَاته بَاقِيَة بِبَقَائِهِ وَلما ذكر الْقشيرِي عقائدهم الْمَأْخُوذَة من مَجْمُوع كَلَامهم قَالَ دلّت هَذِه المقالات على أَن عقائد مَشَايِخ الصُّوفِيَّة توَافق أقاويل أهل الْحق فِي مسَائِل الْأُصُول وَقَالَ أَيْضا اعلموا رحمكم الله أَن شُيُوخ هَذِه الطَّرِيقَة بنوا قَوَاعِد أَمرهم على أصُول صَحِيحَة فِي التَّوْحِيد وصانوا عقائدهم من الْبدع وَأتوا بِمَا وجدوا عَلَيْهِ السّلف وَأهل السّنة من تَوْحِيد لَيْسَ فِيهِ تَمْثِيل وَلَا تَعْطِيل وَقَالَ سُلْطَان الْعلمَاء الْعِزّ بن عبد السَّلَام رَحمَه الله تَعَالَى بعد أَن ذكر عقائد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة هَذَا إِجْمَال من