محَارب لَهُ قَالَ الْأَئِمَّة وَلم ينصب الله تَعَالَى الْمُحَاربَة لأحد من العصاة إِلَّا للمنكرين على أوليائه وآكلي الرِّبَا وَمن حاربه الله لَا يفلح أبدا أحد تِلْكَ المسالك أَن تِلْكَ الْكَلِمَات حِكَايَة عَن حَضْرَة الْحق ونطق عَمَّا يَلِيق وَمَا شاهدوه من أنوارها وَغَلَبَة التَّجَوُّز فِي نَحْو ذَلِك من مقامات الْمحبَّة والعبودية والقرب يبسط لَهُم الْعذر وَيرْفَع عَنْهُم الإصر مِمَّن اعْتمد هَذَا المسلك الشهَاب السهروردي الْمجمع على إِمَامَته فِي الْعُلُوم الظَّاهِرَة والباطنة فِي عوارفه حَيْثُ قَالَ وَمَا حكى عَن أبي يزِيد رَضِي الله عَنهُ من قَوْله سبحاني حاشا الله أَن يعْتَقد فِي أبي يزِيد أَن يَقُول مثل ذَلِك إِلَّا على معنى الْحِكَايَة عَن الله تَعَالَى قَالَ وَذَلِكَ مِمَّا يَنْبَغِي أَن يعْتَقد فِي الحلاج رَحمَه الله فِي قَوْله أَنا الْحق ثَانِيهَا إِن ذَلِك وَقع مِنْهُم فِي حَال الْغَيْبَة وَالسكر الناشئين عَن الفناء فِي الْمحبَّة وَالشُّهُود لموارد الْأَحْوَال المزعجة للقلب الآخذة لَهُ من صحوه وتمييزه أَلا ترى أَن بعض الهموم أَو الواردات الدُّنْيَوِيَّة إِذا وَردت على الْقلب أذهلته وأذهبت تَمْيِيزه لشدَّة تمكنها مِنْهُ واستغراقه فِي فكره وخطرها فَإِنَّهُ إِذا كَانَ هَذَا فِي الْأُمُور السافلة الَّتِي لَا تقاوم جنَاح بعوضة فَكيف بواردات الْحق على الْقُلُوب ولواعج الْمحبَّة المذهلة عَن كل مَطْلُوب ومرغوب وعوالم الملكوت المنكشفة لَهُم فِي منازلاتهم ومشاهدة عجائب الْقُدْرَة فِي ترقياتهم فَإِن ذَلِك لَا يبْقى فِي الْقلب شعورا وَلَا تمييزا بل يصير صَاحبه كَالسَّكْرَانِ الثمل فَحِينَئِذٍ ينْطق بِمَا رسخ فِي خلده قبل وَيرجع بطبعه قهرا عَلَيْهِ إِلَى مَكَان يلحظه ويعول عَلَيْهِ فينطق لِسَانه بطبق تِلْكَ الْأَحْوَال لَكِن بعبارات لَا يقْصد بهَا مَا يُوهِمهُ ظَاهرهَا من اتِّحَاد أَو حُلُول أَو انحلال فَتَأمل ذَلِك وعول عَلَيْهِ تسلم وكل سكر نَشأ عَن سَبَب جَائِز فصاحبه غير مُكَلّف وَمِمَّنْ اعْتمد هَذَا المسلك القطب الرباني عبد الْقَادِر الجيلاني نفع الله بِهِ حَيْثُ قَالَ مترجما عَن حَال الحلاج طَار طَائِر عقل بعض العارفين من وكر شجر صورته وَعلا إِلَى السَّمَاء خارقا صُفُوف الْمَلَائِكَة فَكَانَ بازيا من بزاة الْملك مخيط الْعَينَيْنِ بخيط وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا فَلم يجد فِي السَّمَاء مَا يحاول من الصَّيْد فَلَمَّا لاحت لَهُ فريسة رَأَيْت رَبِّي ازْدَادَ تحيره فِي قَول مَطْلُوبه فأينما توَلّوا فثم وَجه الله عادها بطا إِلَى حَضْرَة خطة الأَرْض طَالبا مَا هُوَ أعدم من جود النَّار فِي قعور الْبحار يتلفت بِعَين عقله فَمَا شَاهد سوى الْآثَار فكر فَلم يجد فِي الدَّاريْنِ محبوبا سوى محبوبه فطرب وَقَالَ بِلِسَان سكر قلبه أَنا الْحق ثمَّ ترنم بلحن غير مَعْهُود صفر فِي رَوْضَة الْوُجُود صَغِير إِلَّا يَلِيق ولحن بِصَوْتِهِ لحنا عرضه لحتفه نودى فِي سره يَا حلاج اعتقدت أَن قوتك لَك قل الْآن نِيَابَة عَن جَمِيع العارفين حسب الْوَاحِد إِفْرَاد الْوَاحِد قل يَا مُحَمَّد أَنْت سُلْطَان الْحَقِيقَة أَنْت إِنْسَان عين الْوُجُود على عتبَة بَاب الْملك لمعرفتك تخضع أَعْنَاق العارفين وَفِي حمى جلالتك تُوضَع جباه الْخلق أَجْمَعِينَ انْتهى كَلَامه رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ من النفاسة وَالْجَلالَة بِالْمحل الْأَسْنَى فتدبره حق تدبره وَيَكْفِي الحلاج شرفا شَهَادَة هَذَا القطب لَهُ بِهَذَا الْمقَام مَعَ أَن الصُّوفِيَّة وَغَيرهم مُخْتَلفُونَ فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا فجماعة من العارفين كَأبي الْعَبَّاس بن عَطاء وَأبي عبد الله ابْن حنيف وَأبي الْقَاسِم النَّصْر أباذي رَضِي الله عَنْهُم أثنوا عَلَيْهِ وصححوا لَهُ حَاله وجعلوه أحد الْمُحَقِّقين وَخَالفهُم أَكثر الْمَشَايِخ فَلم يثبتوا لَهُ قدما فِي التصوف وَلم يقبلوه وَلم يَأْخُذُوا عَنهُ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَه الْأَولونَ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ محقا بل عَالما ربانيا كَمَا قَالَه ابْن حنيف إِلَّا أَنه كَانَ مخلطا تكْثر مِنْهُ الْكَلِمَات الَّتِي ظواهرها منتقدة فَلِذَا أَعرضُوا عَن الْأَخْذ عَنهُ وَلم يثبتوا لَهُ قدما فِي التصوف أَي فِي التربية والاقتداء وجعلوه فِي حيّز المجاذيب الَّذين يَعْتَقِدُونَ وَلَا يُؤْخَذ عَنْهُم وَلَا يعدون من أَصْحَاب الْمَرَاتِب وَالتَّصَرُّف فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ مُهِمّ وَإِيَّاك أَن تفهم أَن من الصُّوفِيَّة من يُنكر عَلَيْهِ حَالَة الْبَاطِن فَإِن الْأَمر لَيْسَ كَذَلِك وَقد بسط الْغَزالِيّ رَحمَه الله أَحْوَاله فَأجَاب عَن كَلِمَاته وَوَقَائعه بِمَا ينزه ساحته عَن حُلُول أَو غَيره من الاعتقادات الْبَاطِلَة وكلماته الدَّالَّة على مَعْرفَته وَحَقِيقَة مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا الْحق إِذا استولى على سر ملكه الْأَسْرَار فيعانيها وَخبر عَنْهَا وَقَوله لما سُئِلَ عَن التصوف وَهُوَ مَطْلُوب أهونه مَا تري وَقَوله لما قَالَ خادمه وَقد قرب صلبه أوصني قَالَ عَلَيْك بِنَفْسِك إِن لم تشغلها شغلتك وَقَوله وَهُوَ يتبختر فِي قَيده للصلب شعرًا:

(نديمي غير مَنْسُوب ... إِلَى شَيْء من الحيف)

(سقاني مثل مَا يشرب ... كَفعل الضَّيْف بالضيف)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015