فمن ذلك أن رجلا أغلظ له فى الكلام، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتحلم عن هذا وقد قال ما قال؟ قال معاوية: ما كنت لأحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا.
ويروى «1» أن أبا الجهم الأموىّ «2» قال: لقد بتّ ليلة بأسرها قلقا أفكّر فى حلم معاوية فيذهب عنى وسنى، قال: وغدوت عليه وأنا مجمع لقاءه بما أرجو أن يطيّشه، فدخلت عليه، وقد كان عنده رجل أغضبه بأشياء لقيه بها، فقلت فى نفسى: ظفرت به، فسلّمت عليه، فردّ علىّ جوابا ضعيفا، فقلت: يابن هند، أبلغ بك الأمر إلى أن أسلّم عليك فتردّ علىّ مثل هذا الردّ! والله لقد رأيت أمّك وهى شابة ناهد، وأنا إذ ذاك أطلب الفجور، فعرضت علىّ نفسها فأبيتها، فقال: يا أبا الجهم، أما إنك لو نكحتها لنكحت حصانا كريمة، ولكنت أهلا لها. قال أبو الجهم: فوقعت على رجليه أقبلهما، وأقول:
نقلّبه لنخبر حالتيه ... فيكشف عنهما كرما ولينا
نميل على جوانبه كأنّا ... نميل إذا نميل على أبينا
فقام معاوية فدخل إلى حجرة له فدعا بأبى الجهم فقال له: يا أبا الجهم، إيّاك وإغضاب الملوك، فإن لهم غضبا كغضب الصبيان، وبطشا كبطش الأسد.
يا غلام، أعطه ثلاثين ألف درهم، وليحملها معه ثلاثة من العبيد، فخرج من بين يديه ومعه تلك الصّلة.