والناس مُخصِبون فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم. فقال لأصحابه: كونوا إلى مكان كذا حتى آتي هذا البيت فلعلّي أصيبُ لكم خيراً. قالوا: افعل. فانطلق وقد أمسى وجَنَّ عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رُوَيْم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت. فأتى السُلَيك البيت من مؤخِّره فدخل، فلم يلبث أن أراحَ ابن له إبله فلما أراحها غضب الشيخ وقال لابنه: هلاّ عشَّيتها ساعة من الليل. قال ابنه: إنها آبية. قال له: العاشية تُهيجُ الآبية. فأرسلها مثلاً. ونفض يده في وجوهها فرجعت إلى مرتعها، وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها. وجلس الشيخ عندها لتتعشّى وتبعه السُليك، فلما وجده مُغتَرَّاً خَتَله من ورائه ثم ضربه فأطار رأسه، وصاح بالإبل وطردها. فلم يشعر أصحابه وقد ساء ظنهم وتخوّفوا عليه إلا بالسُليك يطردها. وقال السُلَيك في ذلك:
وعاشِيَةٍ رُجٍّ بِطانٍ ذَعَرْتُها ... بِصَوْتِ قَتيلٍ وسْطها يَتَسَيَّفُ
كأنَّ عليهِ لَوْنَ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ ... إذا ما أتاهُ صارِخٌ مُتَلَهِّفُ
فباتَ له أهلٌ خَلاء فِناؤُهم ... ومَرَّت لهم طَيْرٌ فلم يَتَعَيَّفوا
وكانوا يَظُنُّونَ الظُّنُونَ وصُحْبَتي ... إذا ما عَلَوا نَشْزاً أَهلُّوا وأوجَفوا
وما نِلْتُها حتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً ... وكُنْتُ لأَسْبابِ المَنِيَّةِ أَعْرِفُ
وحتى رَأَيْتُ الجُوعَ بالصيف ضَرَّنِي ... إذا قمت يَغْشَانِي ظِلالٌ فأُسْدِفُ