((فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من هذه البلية، فإن ذا الهمة يأنف أن يملك رقة شيء، وما زال الهوى يذل أهل العز))
فأين هذا الذي يطلق العنان لشهواته، ويرسف في أغلال رغباته من الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ الذي يقول: ((لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته)) 2.
فعلو الهمة مما يفتخر به، وسفول الهمة مما يعاب به ويذم صاحبه.
روى ابن الجوزي بسنده قال:" قال معاوية بن أبي سفيان لعمرو ابن العاص ـ رضي الله عنهما ـ: ما ألذ الأشياء؟ قال: يا أمير المؤمنين مر أحداث قريش فليقوموا، فلما قاموا قال: إسقاط المروءة ".
يريد أن الرجل إذا لم تهمه مروءته فعل ما يهوى، ولم يبال بلوم، وهذه صفات البهائم، فأما أرباب الأنفة فكما قال ابن المعتز:
وإني وإن حنت إليك ضمائري ... فما قدر حبي أن يذل له قدري 3
وقال الأعشى:
أرى سفها للمرء تعليق قلبه ... بغانية خود متى تدن تبعد 4
وقال أبو فراس الحمداني مفتخرا بعلو همته، وعائبا على من سفلت همته، واسترقه هواه:
لقد ضل من تحوي هواه خريدة ... وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد لله حازم ... أعز إذا ذلت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبي كله ... ولو شملتها رقة وشباب