ص: وإِنْ شَكَكْتَ أَمأَمُورٌ أَم مَنْهِيٌّ فأَمْسِكْ، ومِنْ ثَمَّ قَالَ الجُوَيْنِيُّ فِي المُتَوَضِّئِ يَشُكُّ أَيَغْسِلُ ثَالثِةً أَم رَابِعَةً: لاَ يَغْسِلُ.
ش: الحَالةُ الثَّالثةُ أَنْ يَشُكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ مأُمُورٌ بِهِ أَو مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
قَالَ الشَّارِحُ: فَالوَاجبُ الإِمسَاكُ عَنْهُ؛ لقولِه صلَى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: ((دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ)).
قُلْتُ: فِي وُجُوبِ الإِمسَاكِ هُنَا نَظَرٌ، ويَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ الإِمسَاكُ، ولاَ يَجِبُ إِنْ كَانَ مُقَابِلُ النّهيِ/ (262/أَ/م) الإِبَاحةَ، فإِنَّه مِنْ بَابِ الشُّبْهَةِ، وَتَرْكُهَا وَرَعٌ لاَ وُجُوبٌ/ (209/أَ/د) وَاستدلاَلُه علَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ)) يَدُلُّ علَى ذَلِكَ وإِنْ كَانَ مقَابلُ النَّهيِ الإِيجَابَ، فقِيَاسُ الشَّكُّ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ الصّلاَةِ وُجُوبُ الفِعْلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ يُقَالُ: التَّرْكُ أَرْجَحُ لأَنَّ جَانِبَ دَرْءِ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ علَى جَلْبِ المَصَالِحِ، وإِنْ كَانَ ذَلِكَ الأَمرُ للاَستحبَابِ وذلك النَّهْيُ للكرَاهيَةِ، وهو الموَافِقُ لمسأَلةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيِّ، فإِنَّه إِذَا شَكَّ فِي الوضوءِ فِي الغَسْلَةِ التي يرِيدُ الإِتيَانَ بِهَا، هَلْ هي ثَالثةٌ فتكونُ مَسْنُونَةً أَو رَابِعَةٌ فتكونُ مَكْرُوهَةً، فهو دَائرٌ بَيْنَ تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ وَفِعْلِ مَكْرُوهٍ، فَكَيْفَ يَجْيءُ الإِيجَابُ هنَا؟
وَالمُصَنِّفُ إِنَّمَا قَالَ: (فأَمْسِكْ) فأَمَرَ بِذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لاَ وُجُوبًا، وَالتصريحُ بِالوُجُوب مِنْ تَصَرُّفِ الشَّارِحِ الفَاسدِ مَعَ أَنَّ (جمهورَ الأَصحَابِ) لَمْ يَرْتَضَوْا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو محمَّدٍ مِنْ تَعْلِيلِ ذَلِكَ بأَنَّ ارْتِكَابَ سَيِّئَةٍ أَهْوَنُ مِنْ ارْتكَابِ بدعةٍ، وقَالُوا: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ التّحقيقِ، وَلِهَذَا لَوْ شَكَّ أَصلَى ثلاَثًا أَم أَربعًا أَتَى بِرَابِعَةٍ وجوبًا مَعَ احْتِمَالِ وُقُوعِ المَنْهِيِّ بِالزيَادةِ، فإِطلاَقُ الشَّارِحِ إِيجَابُ الإِمسَاكِ خطأٌ.%%%%%%%%%%%%%%%%