وتَوَقَّفَ السُّبْكِيُّ فِي وُجُوبِ التّوبةِ مِنْهَا عينًا، وقَالَ: لعلَّ وقوعَهَا مُكَفَّرَةٌ بِالصلاَةِ، وَاجْتِنَابُ الكبَائرِ يَقْتَضِي أَنَّ الوَاجبَ إِمَّا التّوبةُ أَو فِعْلُ مَا يُكَفِّرُهَا، وبتقديرِ الوُجُوبِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لاَ تَجِبُ علَى الفَوْرِ حتَّى يَمْضِي مَا يُكَفِّرُهَا، وخَالَفَهُ وَلَدُه المُصَنِّفُ فقَالَ: الذي أَرَاه وُجُوبُ التّوبةِ عَيْنًا علَى الفورِ، عَنْ كلِّ ذَنْبٍ، نَعَمْ إِنَّ فَرْضَ عدمِ التّوبةِ عَنِ الصغيرةِ ثُمَّ جَاءَتِ المُكَفِّرَاتُ كَفَّرَتِ الصَّغِيرَتَيْنِ، وَهُمَا تِلْكَ الصغيرةُ وعدمُ التَوْبَةِ.

الثَالثةُ: تَصِحُّ التّوبةُ عَنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِصرَارِ علَى ذَنْبٍ آخَرَ، خِلاَفًا للمُعْتَزِلَةِ، بنَاءً علَى أَصلِهم فِي التّقبيحِ العَقْليِّ؛ لأَنَّ الكلَّ فِي القُبْحِ علَى حدٍّ سوَاءٍ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِم قَوْلُه تعَالَى: {وَآخَرَونَ اعْتََرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهْ} وَقَوْلُهُ: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}.

وفَصَّلَ بَعْضُ أَصحَابِنَا فِي ذَلِكَ فقَالَ الحُلَيْمِيُّ: تصِحُّ التوبةُ مِنْ كبيرةٍ دُونَ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا.

وَمُقْتَضَاهُ عدمُ الصِّحَّةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا، وَبِهِ صرَّحَ الأَستَاذُ أَبُو بَكْرٍ، لكن قَالَ الأَستَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، تصِحُّ حتَّى لو تَابَ عَنِ الزِّنَا بِمَرْأَةٍ مَعَ الإِقَامةِ علَى الزِّنَا بِمِثْلِهَا صَحَّ.

قَالَ ابْنُ القُشَيْرِيُّ: وأَبَاهُ الأَصحَاب.

قَالَ: وقَالَ الإِمَامُ: إِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ العُقُوبَةَ علَى أَحَدِهِمَا صحَّتِ التّوبةُ مِنْ إِحْدَاهُمَا دُونَ الأُخْرَى.

وقَالَتِ الصُّوفِيةُ: لاَ تَكُونُ تَوْبَةُ السَّالكِ مفتَاحًا للمقَامَاتِ حتَّى يتوبَ عَن جَمِيعِ الذّنوبِ، لأَنَّ كَدْوَرَةَ بَعْضِ القلبِ وَاسْوِدَادَهُ بِالذنبِ تَمْنَعُ مِنَ السَّيْرِ إِلَى اللَّهِ تعَالَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015